تقول لنفسك كل عام لابد أني تعلمت جيدا عن أسرار الحياة والناس، لابد أن كم الخبرات التي مرت بي على مدار العمر أصبحت تشكل لي الدفاع الأمثل ضد أصحاب القلوب الخاوية، ويبدو أن هذا العام سيخلو من متسلقي القلوب.
ويأتي العام والعام الذي يليه وأعوام أخرى كثيرة وتقع يا سيدي بين براثن هؤلاء وهؤلاء، وأنت ذاك الشخص الناضج الذي ظن أنه يمتلك الخبرات الكافية ليتجاوز كل هؤلاء وهؤلاء.
إن أفضل عطايا الله لنا أن يدفئنا بهؤلاء الذين لا يتغيرون، الذين لا يتلونون، أصحاب القلوب المليئة بالخير، الذين تسكن آمنا بينهم، صحبة الحب الليّن، الذين يمتلكون نفوس رفيعة وقلب جوّاد بالجمال.
قلب أينما ذهب موجود _ وإذا ذهب مُنتَظَر، قلب يرتجيك وتتلطف في أُنسه، قلب يجعلك مسنود بأمان، قلب أكرمته بجمال فطاف على عمرك بأسمى آيات الوجد والمُصَافَاة.
"خلي في عينك حصوة ملح" مثل مصري عظيم، يراد به وصف خائبين القلوب، الذين يظنون أن في التكبر والاستعلاء عن العطاء ملح الحياة.
هنا صوة الملح تطرف عيناك وتنهمر عنهما دموع غسيل الروح لتنزع عن روحك أشخاص طامعون في مودة غير متبادلة.
أنت بحاجة للكثير من المياه الصافية، أنت بحاجة للعافية، أنت بحاجة أن تغمض عينيك وأنت آمن بجوار كنف طيب وكتف صلب يقيم روحك وقت رحيلها.
في عامي القادم لن أبحث عن من خذلني، سأكتفي بما لدي من قلوب أنا بينهم غنية زاهية.
لن أتذكر من ملاء قلبي بالوحشة سأكتفي بمن أقام بداخلي بأنفاسه العطرة، من سكن بجواري مطمئنا، من أضاف لعمري الكثير من الحياة، من أتاني مُحِب بَش الروح، من أعادني من غربتي مكتفية به، من حضر فحضر معه كل جميل، من أُحِب نفسي بجواره كما لم أحبها من قبل، من يمحو وجوده سيئات قلبي، ومن قدّرَني فكان تقديره باب التَبَارَى والمنافسة للمزيد من العطاء والامتنان الجميل.
إن الحب يا صديقي العزيز لا يخبو، الحب هو الكائن الحي اللطيف الذي يضفي على كيانك الرغبة الحقيقية في عيش الحياة. الحب يا سيدي يجعلك مطمئنا تلتقط الدفء في ساعات يومك وأنت تعلم أن غدا يوم أفضل.
الحب هو الغد المُعَرّف، الحب هو الوجود المُترَف.
الحب أن أحيا بأمان وأموت على خير وبينهم سنوات وسموات شمسها دافئة تشتعل معها أيامك بالمودة الرؤوم.
لماذا تبحث عمن ذهب .. هذا الذي لم يكن لك ولا مثلك .. أتتناسى من بقى .. من معك ارتقى .. من خطب مودتك وأجاد الوصل .. من كان لك القلب المُنجب .. من أكد الحضور وظل لك الطبيب الطيب الذي لا يتغير.
إن أسوأ ما في تجرع الأسى أنه ينسيك النعم المحيطة، يعزلك عن طرق تُكَاثِر من خلالها حضورك الحلو في دنيتك.
في عامك القائم والقادم كن الجميل في كل من أحببت، كن الحاضر في الشدة والصاحب والطُرفة، كن رشة الملح التي تعطي مذاق الحياة، كن الأم التي تلتحف وليدها برحمة، كن اليد اليمنى واليسرى وكل أياد اللُيُونَة والشفقة، كن العفو المرتجى عند الممات، وكن قريب الإحسان.
يقول الله تعالى في كتابه العزيز في سورة مريم في وصف سيدنا يحيى: (وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً ۖ وَكَانَ تَقِيًّا (13) أي وجعلناه ذا حنان وزكاة فالحنان هو المحبة في شفقة وميل.
سيدي لقد ربط الله حنان النفس والمحبة بالتقوى .. ومن منا لا يحب أن يكون تقيّا؟
ستكون أنت عندما تبتعد عن كل من يجف معه قلبك.
إن الكلمة الطيبة صدقة وكم الصدقات التي تتساقط من قلوب الطيبين تجعلني أعود لاجتمع بقلبي لنكتب سويا مزيد من سطور المودة الرشيدة بجانب قلوب كان لنا كل الحظ إلى جوارها.
سأظل نفسي التي أحبها، سأبدأ عامي مطمئنة أن من رزقني القلوب الودودة قادر على أن يبارك لي في صحبتهم ما أحياني.
عندما كنت شابة صغيرة كان معياري لجودة الشخص هو جواد قلبه.
عندما أصبحت تلك الإنسانة التي تخطت الخمسين ربيعا، أدركت أن كل عام كان ربيعا حقيقيا بفضل هؤلاء الذين أفاضوا على قلبي أعذب ما في الحب من صفات جعلتني أحسب سنوات عمري بيوم التقيتهم، وأن خلف كل ربيع كان هناك شتاء دافيء خففت أمطاره ملح الحياة فكان حقا أن يأتي الربيع بكامل بهائه ورونقه.
كل عام وقلوبكم أجمل ما في عامكم، كل عام وأنتم أقرب إلى الوصْل والحب والسند الجميل، كل عام وأنتم تشعرون، كل عام وأنتم من علية القلوب، كل عام وأنتم لأنفسكم واحبابكم كل ما تحبون، وكل عام وأنتم وأحبابكم دافئين متعلقين ببقاء أيادي الحب السخي الممدود، كل عام وأنتم في أجمل ما بالحب غارقون.
التعليقات