في كتابه "تاريخ الفكر العربي" الذي صدر عن دار الكاتب العربي، يرى الأستاذ إسماعيل مظهر (ص 164) أن هناك تناقضا غريبا في مطلع قصيدة أحمد شوقي عن أبي الهول، الذي يقول فيه:
أبا الهول طال عليك العُصُر ** وبلغت في الأرض أقصى العُمُر
فيا لدة الدهر لا الدر شبَّ ** ولا أنت جاوزتَ حدَّ الصغر
حيث العجز عن مسايرة مقتضى الحال، فكيف أن أبا الهول قد بلغ في الأرض أقصى العمر، وكيف أنه لم يتجاوز حد الصغر!؟
ويرى مظهر أن عدد المطالع الضعيفة عند شوقي قد "أربى كثيرا على عدد ما يستهويك جماله وتستوقفك روعته" (ص 165)، وأنه من ضمن المطالع التي عدها مظهر جميلة ورائعة عند شوقي هذا المطلع:
قفي يا أخت يوشع خبرينا ** أحاديث القرون الغابرينا
وبالتأمل في كلا المطلعين سنذهب إلى مخالفة إسماعيل مظهر في الرأي، فالذي عده عند شوقي عيبا وضعفا نراه نحن جمالا وروعة.
فبالنسبة إلي بيتي أبي الهول، نحن نرى لهما جماليات خاصة، فعلى الرغم من مرور الزمن الطويل على وجود أبي الهول في مكانه إلا أن هذا الزمن إذا قسناه بالزمن المطلق فإنه يعد صغيرًا أو ضئيلا، وأنه زمن أو دهر لم يشب عن الطوق بعد.
وتأسيسًا على ذلك فإن أبا الهول مازال ـ نسبيا ـ طفلا في عمر الزمان المطلق على الرغم من كل الدهور والعصور التي مرت عليه إلا أنها في حكم الزمان تعادل لحظات أو ثوان.
إن إسماعيل مظهر قد أخذ المعنى المباشر في بيتي شوقي، ولم يعمل ذهنه في صيرورة الزمن وعلاقته بأبي الهول.
ونحن نعرف عن الأستاذ الراحل إسماعيل مظهر أنه كان مفكرا ومترجما، وقرأت له في وقت مبكر كتبه عن أساطير الشرق والغرب، ولم أدر كيف لم يدرك سر جمال هذا المطلع عند شوقي، وكيف لم يربطه بصيرورة الزمن نفسه.
أما ما عده مظهر جميلا ورائعا في المطلع الثاني، فإننا نعده عاديا (ولا نقول عيبا من عيوب المطالع عند شوقي) حيث يقول الشاعر للشمس (أخت يوشع) قفي لتخبرينا بما مضى، ولتحدثينا عن القرون الماضية.
إن الجمال الوحيد الذي تحقق في هذا المطلع هو إطلاق (أخت يوشع) على الشمس حيث يهرب الشاعر من المباشرة ليتخفى في (أخت يوشع) وهي كناية جيدة، عدا ذلك لم أر أي جمال في هذا المطلع.
عموما فإن دراسة إسماعيل مظهر عن المطالع عند شوقي في الكتاب المشار إليه كان يلزمها التدقيق وكان يعوزها الكثير من المطالع لنرى الفلسفة أو المنهجية القائمة وراء مثل هذه الأحكام التي لا شك أن الأستاذ مظهر لم يلقها هكذا على عواهنها، أو كيفما اتفق.
ولعل آراء العقاد في شعر شوقي كانت هي السبب المباشر في تحامل إسماعيل مظهر على شعر أمير الشعراء، فقد كان مظهر واحدًا من تلاميذ العقاد النابهين.
التعليقات