ظهر الفيسبوك وتويتر أو ما يسمى بتطبيق إكس حاليا وإنستاجرام كوسائل للتواصل الاجتماعي واصطلح الناس على تسميتها بذلك. وشكلت أرضا مشتركة جمعت الناس من كل أنحاء الدنيا على اختلاف مشاربهم ولغاتهم وتوجهاتهم. قربت البعيد ووصلت بين من قطعته البلاد والعباد. وجد الناس ميولا مشتركة يتبادلون الصور والآراء والاقتراحات. لكل شخص حساب خاص به هو بمثابة مساحة شخصية جدا لا يتحكم فيها أحد له حرية اختيار من يشاهد صوره ويعلق على أحداث يومه. يبالغ البعض في المفاخرة والتباهي بالأماكن التي يزورونها أو الأطعمة التي يتناولونها أو حتى المقتنيات والمشتروات اليومية. يبقى لهم حق النشر خالصا لا دخل لأحد فيه.
ومع ازدياد معدلات النشر أصبح الفضاء الأزرق ساحة منافسة وحلبة صراع لا ينتهي. من الأجمل ومن الأسعد ومن الافضل؟ باتت هذه الأسئلة حاضرة تجيبها الصور وما يكتبه كل فرد على صفحته. وفي مقابل كل صاحب حساب ظهر متابعون ربما يعرفهم وربما لا يعرفهم. وتحول التباهي المادي لنوع آخر هو التباهي بعدد المتابعين وأضحى الأمر مكسبا ماديا في حد ذاته ويدر دخلا من أصحاب التطبيقات. وتهافت الناس على متابعة فلان أو التعليق على فلانة.
وبين عشية وضحاها تحولت المتابعة والإعجاب إلى تنمر ومفاضلة بين مشهور من المشاهير والآخر. انبرى كل فريق ليهاجم الآخر ويحط من شأنه أو ينتقده نقدا لاذعا. حتى هؤلاء الذين لا ينتصرون لصالح شخص على آخر تحولوا إلى متنمرين لا هم لهم إلا التعليقات المستفزة التي ربما يريدون منها الظهور فقط لا غير وإيجاد مساحة لهم بين جموع مستخدمي هذه المنصات. ورغم وجود خاصية الحظر إلا أنهم ينشئون حسابات وهمية ويستمرون في مهمتهم غير المفهومة.
أما المجموعات الخاصة على الفيسبوك فأصبحت ملاذا آمنا يلجأ إليا من يعاني من مشكلات ولا يجد من يسمعه. اجتمع الناس بأسماء وصور حقيقية أحيانا ووهمية أحيانا أخرى فتجرأ من يريد الحديث ولم تعجزه حواجز المجتمع عن البوح بما يؤرقه. مع وجود خاصية النشر كعضو مجهول رفع الحرج وتنوعت المواضيع والاستشارات.
وكمستخدم تأملت هذا العالم من حولي فوجدت أن الغرض منه قد تبدل وأصبح مجالا للتنمر والسخرية والتنظير بين الناس. من ينشر صورة لحدث يعتبره إنجازا يجد من يحط من شأنه ويقلل من قيمته. تحول الفرحة إلى غضب وإحباط بسبب التعليقات السلبية. ومن تستشير في مسألة تؤرقها أو تطلب استشارة في مشكلة تعصف بها تجد طوفانا من التعليقات التي تستصغر همها أو تقلل من شأنها أو تستعجب من حاجتها لاستشارة الغير في المقام الأول. يبدأ البعض في التنظير وإلقاء المواعظ والدروس حتى وإن لم يكونوا مطبقين لها في حياتهم اليومية. يصنف آخرون المشكلة لمشاكل الأغنياء المرفهين ومشاكل الفقراء المعدمين دونما أي احترام لكون الأمر هما لصاحبه سواء اختلفوا معه أم اختلفوا. ساحات من التنمر والسخرية دفعت البعض باستهلال كلامه بعبارات مثل: أرجو تقبل كلامي دون سخرية! أنتظر رأيكم دون إهانات من فضلكم!أعلم أنها ربما تبدو مشكلة تافهة لكم لكنها تؤرقني لأسباب شخصية!
لماذا تحول التواصل لتنمر وسخرية ومكان للوعظ والإرشاد في غير موضعه ولأغراض بعيدة كل البعد عن المنفعة والحرص على الآخر. هي أتاح الاختباء وراء الشاشات مجالا لغضب دفين في الظهور لا يعرف من صاحبه؟! هل تجرأ الجبناء فكتبوا ما عجزوا عن قوله. هل الأذى الإلكتروني وسيلة جديدة لتصفية الحسابات دون رقيب أو حسيب؟ هل أتاحت هذه المجالات متنفسا لعقد شخصية ومشكلات نفسية يعاني منها أصحابها ووجدوا فرصة لممارسة التلاعب على غيرهم؟! عزيزي المتهكم، عزيزتي الواعظة: لم يجبركما أحد على الانضمام لهذا العالم ولن يجبركما أحد على الاستمرار فيه إن كان لا يروقكما؛ لكن أن تصرا على دخول صفحات لا تروق لكما والانضمام لمجموعات خاصة لا يهمكما أمرها وتصرا على الظهور مرتدين عباءة السخرية والتنمر والإهانة فهذا تنمر لا تواصل.
التعليقات