هل قرأت عما يسمى Hedgehog's dilemma أو ما يطلق عليه معضلة القنفذ. هذه الظاهرة لفتت نظر الفيلسوف الألمانيArthur Schopenhauer.
هي استعارة فلسفية طرحها شوبنهاور لتوضيح التحديات المتعلقة بالعلاقات الإنسانية. وفقًا لهذه النظرية، تتجمع القنافذ في فصل الشتاء القارس لتدفئة بعضها البعض، ولكن عندما يقتربون من بعضهم البعض، فإن الأشواك على أجسامهم تؤذيهم، فيضطرون للابتعاد مرة أخرى، ثم يشعرون بالبرد، فيقتربون ثانية ويعاودون الكرة مرة أخرى.
القنافذ بفطرتها وجدت حلا ذكيا طرح بإسم المسافة الآمنة Safe Distance. يقتربون من بعضهم البعض بمسافات محسوبة حتى يكون الألم الناتج عن الأشواك أقل ما يمكن.
الإنسان بطبعه كائن اجتماعي لا يحب الوحدة ويبحث على الدوام عن ونس القلب.
هنا تأتي مُعضلة أكبر والتي اسميها The heart human's dilemma أو معضلة القلب الإنساني.
قلوبنا كذلك تحتاج لمثل هذا الدفء، ونس الروح … أرواح دافئة تشتعل معها أيامك بالمودة الرؤوم.
وتنظر حولك باحثا عن من يحقق لك هذه المعادلة الصعبة … فتبحث عمرا بأكمله عن أطراف حية تربت بحب على قلبك وتحقق الدفع الإنساني الذي ترتجيه في أيامك.
السواد الأعظم من الكائنات الحية خلقت أزواجا، باستثناء بعض الكائنات وحيدة الخلية التي تتكاثر مع نفسها وحيدة طوال العمر مثل البكتيريا.
العجيب أن البعض يفضل أن يكون كائن وحيد الخلية في دنيته، يتكاثر منفردا عكس الطبيعة التي خلق عليها.
هذا الكائن وحيد الخلية طبيعته وال DNA الخاص به يختلف تماما عن الكائنات ثنائية المسكن التي تحتاج كلا النوعين للتكاثر والنمو.
حسنا يا صديقي لك كل الحرية في مسارات دنيتك، تفاعلك السلبي في حياتك يخصك وحدك، لكن لا تجبر الآخرين على دفع فواتير نظرتك الخاطئة للحياة.
هذا الدفء الذي ترتجيه القلوب يتطلب الكثير من الجهد والإيثار، يتطلب السعي الدؤوب لملاطفة القلوب، ويحتاج نوع خاص من المعيشة التكافلية التي يستفيد منها طرفي المعادلة ليتحقق المرجو من سبب وجودك.
كم مرة اخترقت قلبك أشواك القنفذ؟ هل تبقى سعيد بالألم الذي يسببه لك الالتصاق بالأغبياء؟ ماذا فعلت لتجنب جروحك وماذا ابتعت كي تداويها؟ وهل تركت نفسك طوال ما فات من عمرك والكل يتخطى المسافة الآمنة لقلبك؟
إن الإنسان هو الفاعل في جملة حياته!!
أتعجب من قدرة البشر على تحمل الألم الممكن تجنبه بوضع الحدود التي تضمن أمنه النفسي واستمرار عطائه لمن يستحق.
مفهوم العطاء عند أغلب الناس هو أن تهب نفسك لكل من يحتاجها حتى لا يتبقى لك شيء منك.
صديقي … لقد تعلمت نظرية القنافذ بالطريقة الصعبة، وعندما قرأت عنها وجدت أن دعائي أن يحاوطني الله بالطيبين كان مرهونا برغبة الله أن أفعل هذا بنفسي ولنفسي … وهذا هو الفارق الكبير بين أن تكون في حياتك فاعلا أو مفعولا به.
عد بحياتك للوراء وتخيل كل أشواك القنافذ التي كان يمكنك تجنب ألمها لو أنك وضعت قلبك في المقدمة وجاهدت بحق للحفاظ عليه.
أحدهم لنا رزق والآخر إبتلاء، لا تساوي بينهما فتقعد ملوما محسورا!!
لو استطاع القنفذ الموازنة بين أن يموت متجمدا أو يموت مجروحا، فعار عليك ألا تفعل رغم أن لكل منا أشواكه!
كلنا نجتهد في قياس مسافة آمنة بيننا وبين من نحب حتى لا يملونا أو يزهدوا فينا، نبقى من خلالها مرحبا بنا في قلوبهم كلما افتقدونا.
هذا ما يخص القنفذ، ماذا لو تحدثنا عن أفعى ملساء أو سمكة الديك السامة أو أنواع الفطر السام، او لدغة العقرب.
تجبرك الكائنات التي خلقها الله من حولك على التفكر ومقارنة حياتها بحياتك.
الحياة لا تنتعش بالبؤساء، ولعل من أفضل مراتب الإحسان أن تحسن لنفسك أولا.
منذ سنوات قليلة سابقة اخترت نفسي، فتغيرت خريطة حياتي ورتبت الناس على قدر قلوبهم. ثم أتت فقرة كنت لا أحبها واتصورها مستحيلة ألا وهي ترك المسافة الآمنة بيني وبين من يؤذيني.
كم كانت أيام شديدة تلك التي تجبر فيها نفسك قسرا على التحرك ضد طبيعتك الهادئة الكريمة مضيافة القلب المحبة للجميع.
كم عانيت وأنت تتصور أنك كنت على خطأ وأنت على طريق الصواب الوحيد.
البعض يأخذ أعمارنا بسيف الحياء، هؤلاء لا تترك مسافة آمنة بينك وبينهم؛ اعتزلهم حتى يصبحوا ذكرى بعيدة.
أقل درجة ممكنة من الألم يكافيء أيام أكثر سعادة.
إن كل هذا الكد وكل هذا الجهد وكل الإيثار الذي تعتبره عكازك في الدنيا يتطلب أن تفسح لنفسك طريق صالح لونس الرحلة والصحبة الطيبة.
السعي هو اجتهادك المأجور، تمهيد طريقك في المقام الأول هو دورك الدنيوي، متعة الطريق هي مكافأة حسن سيرك وسلوك في الدنيا، أما أمان الوصول لشاطيء السلام فهو رزقك على الله.
أقل درجة ممكنة من الألم تعني أيام أكثر هدوءا ورخاءا وطمأنينة.
في أحد الأيام ستشكر نفسك كثيرا لأنك وضعتها في أول أولوياتك ما مكنك أن تسري في دنيتك محققا أهداف كان من العسير تحقيقها وفي ظهرك أشواك القنفذ، وذلك حتى يتبقى لك شيء منك.
التعليقات