أثبتت الدراسات الحديثة أن 85 في المئة من نجاح أي عمل مرهون بإجادة القائمين عليه لمهارات الاتصال الفعال؛ بينما تعزى النسبة المتبقية إلى مهارات إتقان العمل نفسه، ولكي نتمكن من التواصل الجيد مع الآخرين علينا إتقان أساسيات علم التواصل، عبر اكتساب المكون الرئيس له وهو الثقة والمصداقية لدى الآخرين، فبالطبع لن يؤتي التواصل أكله إذا لم يثق الطرف الاخر فيما تقوله، ويعتقد أن لكلامه مصداقية، ولن يكون الشخص ناجحاً في حديثه حتى يستطيع باستمرار بناء الثقة والمصداقية فيما يقول.
ومن هنا تأتي أهمية قسم العلاقات العامة سواء في الجهات الحكومية أو الخاصة في بناء جدار من الثقة مع الشركات والجهات الأخرى، وقد علا نجم العلاقات العامة باعتباره مفهوماً إدارياً بالإضافة إلى كونه مهنة في الأربعين عاماً الماضية، ولا شك أن هذا النمو جاء نتيجة التطور المتسارع الذي يشهده العالم وتشابك العلاقات بين الجهات المختلفة، لذلك بات كسب تأييد وتعاون وثقة الآخرين عن طريق الإقناع جزءاً من العمل اليومي في أي مؤسسة، الأمر الذي أدى إلى شيوع العلاقات العامة في اللغة والفكر.
ويتصدى موظفو العلاقات العامة لعملية توطيد عرى الروابط بين المؤسسات وجماهيرها المستهدفة، فضلاً عن الترويج لمنتجاتها عبر تسخير كافة أدوات وقنوات التواصل الممكنة والمتاحة في الوقت الحالي، الأمر الذي وثق العلاقة بين القائمين على ميدان العلاقات مع العاملين في مجال الإعلام بهدف بلورة صورة مناسبة عبر نشر التقارير في وسائل الإعلام المطبوعة أو عبر البث الإذاعي أو التليفزيوني أو عبر الإنترنت والتطبيقات الذكية.
وفي الوقت الحالي اتسع الدور الذي تضطلع به العلاقات العامة في وقتنا الحاضر كثيراً وأصبح يشمل تأصيل الوعي ورسم صورة مناسبة للشركة أو الزبائن عبر نشر تقارير أو مقالات في وسائل الإعلام ذات الصلة، كذلك المتابعة لما يصدر عن القنوات الإعلامية المتعددة وكذلك الجمهور من تعليقات تخص المؤسسة ومنتجاتها، العمل على إشاعة جو من النوايا الحسنة لدى السوق الذي تتعامل معه المؤسسة أو الشركة عبر البرامج والفعاليات الجماهيرية والخيرية والخاصة.
وحازت العلاقات العامة والاتصالات وإبداء الرأي وسرد الاتجاهات في الساحة العامة أهمية أكثر من أي وقت مضى لذلك يجب أن تتبوأ العلاقات العامة التقليدية مكانها في كتب التاريخ إلى جانب الاتجاهات والدراسات الفردية.
وقد أكدت على هذه الأهمية المتزايدة قمة Narrative 2016 التي احتضنتها مصر أخيراً وشهدت مشاركة عدد من الخبراء الدوليين والشخصيات العامة والإعلاميين ورؤساء التحرير وممثلين عن كبريات الشركات العالمية والمجتمع المدني.
وأكدت القمة في توصياتها أهمية الدور الذي تلعبه العلاقات العامة للدول والمؤسسات الحكومية والقطاع الخاص، ودورها في تحقيق التواصل الفعال ورسم صورة إيجابية لدى الرأي العام الداخلي والخارجي.
وخرجت هذه القمة بتوصيات مهمة لا شك أنها لو أخذت حظها إلى التطبيق العملي سيشهد هذا العلم طفرة كبيرة وسيؤدي دوره بطريقة مثالية، وقد أكدت القمة على ضرورة وجود خطة استراتيجية متكاملة لتفعيل دور العلاقات العامة والإعلام، مع الاهتمام بالأبحاث والدراسات والإحصاءات التي تدعم النهوض وتطوير قطاع العلاقات العامة الذي بات مؤثراً في المجتمعات، وذلك عبر تحسين الصورة الذهنية لكل الأطراف، والتأكيد على الدور الاستراتيجي للعلاقات العامة عبر الخطط والمشروعات والإدارات الرئيسة.
ومن التوصيات المهمة التي يجب أن تأخذها كافة الشركات بعين الاعتبار لأهميتها المتزايدة في الوقت الحالي ضرورة وجود خطط وسياسات واضحة ومحددة سلفاً للتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، والاهتمام بتوجهات رواد مواقع التواصل الاجتماعي، ورصد كل ما يدور داخل المجتمعات الافتراضية، والتعامل معها بشكل علمي مدروس.
وفي النهاية لم تعد أهمية العـلاقات العامة في حاجة إلى تأكيد بعد التطور الكبير الذي حققته منذ منتصف القرن العشرين، حيث باتت رأس حربة في أي مؤسسة تسعى إلى النجاح، فقوة هذا القسم تؤدي في النهاية إلى إنجاح سياسات المؤسسة وتحقيقها الهدف المنشود في الانتشار بين قطاع عريض من الجماهير المستهدفة.
د. نيبال دهبة
المدير الإقليمي للعلاقات الخارجية لمنطقة الشرق الأوسط بـ"أبفي"
التعليقات