مقال اليوم حكاية بسيطة من وحي الحياة. أعيش منذ عدة سنوات في القاهرة، منذ أكثر من عشرون عاما وأنا اشتري البيض وأشياء أخرى من إسكندرية وأقوم بنقلهم مع عودتي إلى القاهرة.
بالتأكيد هي مشقة بالغة لكنها ضريبة يدفعها أصحاب القلوب التي تطمئن إلى التعود.
نحن عائلة لا تحب التغيير لدرجة أن أثاث منزلنا في القاهرة والإسكندرية واحد بنفس الموديل ولون القماش والسيراميك، الاختلافات بين البيتين بسيطة جدا جدا.
في كتاب حياتك هناك فصول تفتخر بها وتقرأها بصوت مسموع، وأخرى تذكر نفسك بها من وقت لآخر وكأنك تحدثها بما هو محظور الوقوع فيه مرة أخرى.
أما أفضل تلك الفصول ومدعاة فخرك هو هذا الدرب الطويل من حياتك الذي تعلمت فيه.
الحكمة التي تقرأها قد تغير فيك الكثير أما الحكمة التي تعايشها فهي ما تصنع منك إنسان مختلف.
الفترة السابقة ساهمت بعض الظروف في عدم نزولي لمدينتي الحبيبة الإسكندرية، فاضطررت إلى شراء البيض من القاهرة. تجولت في السوبر ماركت ووقفت أمام كراتين البيض الأحمر العديدة، لفت نظري نوع اسمه "البيضة السعيدة".
الاسم شجعني بشدة وكأنها إشارة لشيء ما لا أعرفه.
اشتريت كرتونة واحدة للتجربة، الغريب أن مذاقها كان قريب جدا من البيض الذي كنت اشتريه من إسكندرية منذ عشرات السنين.
البيضة السعيدة مثال يحتذى به، عنوان بسيط لمنتج قدر ببساطة أنه يشجعني أجربه بعد سنين طويلة من رفض التغيير.
لكل إنسان على الأرض عدة أيام يولد فيها، يوم ميلادك الحقيقي، يوم خذلانك القوي، يوم اكتسبت فيه قلوب ويوم آخر فارقت بلا رجعة.
نحن من نختار التحجر والتعسف، نصِّر على أشخاص بعينهم ومواقف وأماكن متصورين أن حياتنا تنبعث من خلالهم.
الصعوبات محبوسة في عقلك فإذا أطلقت لها العنان ستفاجأ أنك قادر دوما على التغيير.
كلنا يصاحبنا أحيانا هذا العوار في التفكير، نتصور أن أسباب الراحة تنحصر في الاختيار الذي اعتدنا عليه، ننسى أن الأصل في الحياة هو تقبل التغيير. الأصل أن تتعود ألا تتعود، أن حياتك كل يوم في شأن وأن تقبلك لكل المتغيرات في حياتك هو الباب الأقرب للحصول على السعادة.
لو استطاعت كرتونة من البيض أن تختار لها عنوان يدعو للبهجة، فمن العار أن نظل نحن متحجرين.
من أهم مقومات الشخصية المعافرة أنها تستطيع دائما أن تبدأ من جديد.
لا تخشى تغير سكنك ولا عملك، لا تهتز عندما تتغير صور الأصحاب وتتبدل من حولك الأماكن، ولا يشغلك البدء في أي مكان أو زمان من جديد.
كل تغيير يطرأ على عمرك يصنع منك إنسان أكثر جودة وقوة قادر على مواجهة الشدائد.
يُسر الحياة إحساس زائف يصنع فراغ حقيقي داخل النفس، في حين أن تلك الصعوبات والمتغيرات هي ما تصنع حلويات الحياة … تلذذ ببعض التغيير وفق قدراتك وامكانياتك النفسية.
ملهمة بحق فكرة أنك قادر على التكيف، أنك لا تخشى شيء، أنك مطمئن لا تهتز، أنك تطور من قدراتك لتواكب كل التغيرات التي تطرأ على حياتك.
عندما كنت أدرس تشريح خلايا النباتات في الكلية كنت استغرق أضعاف الوقت مقارنة بزملائي لأني كنت استمتع ببديع أشكال الخلايا تحت الميكروسكوب.
قطاع عرضي في ساق النبات أو الأوراق كان يستغرق نصف ساعة من المشاهدة وكأني أتدبر في هذا الخلق العظيم والذي يبدو تحت المجهر مثل البنيان المرصوص.
كل خلية لها شكل ولون مميز ومختلف وكل مجموعة من الخلايا لها وظيفة محددة تقوم عليها حياة النبات.
رغم تلك الاختلافات التشريحية في جسم النبات؛ تظل المحصلة النهائية أن التغيير في أشكال الخلايا هو مبعث الحياة.
التغيير كائن حي باعث للونس وجودة الحياة. اختيارك أن تتكيف على أي وضع تعيش فيه هو في نظري حكمة ومبعث اطمئنان.
عود عقلك على الانفتاح، تقبل أن يأتي صباح ما تفقد فيه عملك، أو تخسر تجارتك، لا تجزع عند المرض وارضى بكل ما تقدمه لك الأقدار.
في رأيي نحن مسيرين كما نحن مخيرين، إنما يأتي الحساب على سلوكك القويم فيما أنت فيه غير مخيّر.
استجلبوا لأنفسكم سنوات من السعادة، سنوات من التفاؤل، سنوات انتظار الخير.
من الجيد أن تستيقظ كل يوم وأنت تنتظر في يومك تحقيق السعادة، في انتظار السعادة استجلابها، ولعل الأمل في أيام أكثر سعادة أطيب وأحب على القلب من لحظات الخوف من المجهول.
التعليقات