كثيرا ما كنت أسمع عن مصطلح تعارف عليه القراء والكتاب عندما يفاجئون بتعرقل قدرتهم على القيام بما يحبونه. يتعثر القاريء فجأة عن القراءة والاطلاع. تتراقص الكلمات والسطور أمام عينيه فيفقد التركيز ولا يعي ما يقرأ- هذا إن أمسك بكتاب أصلا في مثل تلك الحالة. يشعر حينها كما لو أنه يقرأ نصا بلغة غريبة لا يفقهها. وليس الكاتب ببعيد، فبدوره يفقد شغفه دون سبب واضح. يجلس فتهرب منه كلماته وتأبى أفكاره الانصياع لما يريد قوله. يحاول مرارا وتكرارا ويخفق في محاولاته الحثيثة. لم أكن قد مررت بتلك التجارب من قبل. كنت أسمع عنها لكنني لم أعشها حتى وجدتني في براثنها يومها ما!
تملكني إحساس قوي بانسداد كل شرايين الكتابة داخل عقلي. أحاول تطويع الأفكار والكلمات فتراوغني الكلمات في مناورات ماهرة يبدو أنها معتادة عليها فقد فعلتها في كثير قبلي. أتعجب من نفسي ومن استسلامي. ألومها وأجبرها على عدم الانصياع وعلى الكتابة مهما كلفني الأمر فلا أجد إلا مقاومة ورفضا. أجزع وينتابني القلق. هل فقدت ملكة التعبير عما يجول في خاطري؟ هل نضب معين عقلي؟! لطالما كتبت دون عوائق ولا سدود ما الذي تغير؟ هل للأمر علاقة بالتزامي بكتابة أسبوعية في موعد محدد؟!
مما لا شك فيه أنني عاجزة عن الكتابة لكنني لست عاجزة عن البحث والتقصي. من عساه يرشدنا غير محرك البحث الأشهر (جوجل). أبثه شكواي وانتظر ما يجود به علي. يبدو أنه تعاطف مع همي وشعر بمعاناتي فكان سخيا ومطمئنا. أخبرني أنها حالة طبيعية تصيب القراء والكتاب من آن لآخر فلا داعٍ للقلق. هو تعثر مؤقت لا ينبيء بشر. تعرقل القدرة على الكتابة والإنتاج الأدبي دون وجود سبب واضح لا يعني أن البئر قد نضبت وأن الموهبة قد ذهبت أدراج الريح.
لا يمكن حصر أسباب بعينها فهي تختلف من شخص لآخر ومن موقف لغيره. لكن بجمع الشكاوى المشتركة بين كل من تعرض لهذه المعضلة يمكن وضع تصور منطقي. ذكر بعض الكتاب أن قلة الثقة فيما يكتبونه يمكن أن تشكل عاملا مهما يكبح جماح المزيد من الإنتاج. تجاهل القراء أو عدم تفاعلهم يخمد جذوة الحماسة لكتابة المزيد. لا يخفي على أحد أيضا أن مشاكل وهموم الحياة اليومية التي يعيش فيها الكاتب تشكل عاملا لا يستهان به في التحكم في تركيزه وإلهامه.
بعضهم أيضا يشغل تفكيره بتصحيح الأخطاء اللغوية والإملائية بأول حتى يفقد انسيابية حديثه ويتعثر في طريقه. ينصح المختصون بالانتهاء من الكتابة والسرد أولا ثم الالتفات للمراجعة والتدقيق بعد ذلك. من الأهمية بمكان أيضا، اختيار المكان والتوقيت المناسبين. العمل في بيئة صاخبة أو مكان غير منظم لهما تأثير سلبي على كفاءة الإنتاج. ما لم تكن كاتبا محترفا تتقاضى مالا نظير ما تكتبه فلا تعمل تحت الضغط. في مثل هذه الحالة فلا مفر من إجبار نفسك لكن إن لم تكن كذلك اكتب وقتما يحلو لك. لا تجبر نفسك على توقيت محدد بل اختر وقتا يناسب روحك ويتفق مع رغبتك في الانطلاق.
أما إن كنت تقرأ كتابا ثم لسبب أو لآخر وجدت أنك لا تريد استكماله فتوقف! ضعه جانبا فربما تحتاج لبعض الوقت للعودة. إن عدت ووجدت أنك لست منجذبا له فلا بأس في ذلك. هذا كتاب لا يروق لك ولم ينجح في جذبك إليه. اختر غيره فلولا تعدد الأذواق لبارت السلع. القراءة متعة وليست واجبا ملحا تفعله على مضض وأنت متذمر عاقد حاجبيك.
أثلجت ننائج البحث صدري ووجدت أنني لست وحدي في أتون المعاناة غير المسببة هذه. هذا التعثر أو الانسداد أو السدة أو سمها ما شئت طبيعي ولا غبار عليه. علي فقط منح نفسي بعض الوقت والاحتفاظ بجذوة الشغف والتحلي بالصبر والثقة. لاعتبرها استراحة محارب ألملم فيها شتات نفسي وأتنفس بعمق وأريح بدني وعقلي لاستأنف المسير بقوة وثبات.
التعليقات