كالعادة: خيرا تعمل شرا تلقى! بادرتني صديقتي فور وصولها كسيرة متحيرة. لماذا لا أتوقف عن التفكير في الآخرين والتفكير في مصلحتي ولو لمرة واحدة؟ لماذا أضع (الآخر) نصب عيني فأضبط أموري وفقا له لا وفقا لما يرضيني؟! انهالت علي تساؤلاتها المشبعة بالغضب والحيرة ففهمت الأمر واستنتجت أنها وقعت ضحية لحسن نيتها مرة أخرى. ليست مرتها الأولى ولا أعتقد أنها ستكون الأخيرة. تركتها تخرج مكنون صدرها من النقمة على نفسها والتعجب من حالها بينما أتذكر كل المواقف السابقة التي مرت بها واتساءل في قرارة نفسي: ترى ماذا حدث لها هذه المرة؟
انتهت محدثتي من لوم نفسها وعتابها على إيثار(الغير) ووضعهم أولوية جعلتها محط ريبة وشكبدلا من التقدير والاحترام. اعتدلت في جلستها وبدأت في سرد ما أهمها اليوم: رأيت على أحد مواقع البيع والشراء جهازا طالما وددت شراءه لكنني أحجمت لارتفاع ثمنه. كان مستعملا استعمالا خفيفا وعرضته صاحبته بثمن مشجع. تظهر الصور أنه جديد وبحالة ممتازة لكن سعره مناسب مقارنة بالأجهزة الجديدة. تشجعت وأرسلت رسالة للبائعة معربة عن رغبتي في الشراء واستعدادي التام للدفع والاستلام. رحبت بي البائعة صاحبة الجهاز وأخبرتني أنها تحتاج لبعض الوقت لأنها في موقع عملها والجهاز في بيتها على بعد ساعة أو تزيد. علمت منها أن بيتي على بعد دقائق من عملها بينما بيتها هي يبعد ساعة كاملة. اليوم الخميس ولن أعود لنفس المكان القريب إلا بعد يومين مع بداية أسبوع عمل جديد. كعادتي السخيفة وضعت نفسي مكانها ورأيت أن من الأسهل أن أخفف عنها ولا أحملها فوق طاقتها وانتظر للأحد عند عودتها مرة أخرى للمنطقة التي أسكن فيها ويمكنها حينها إحضار الجهاز معها.
(لست في عجلة من أمري! يمكنني الانتظار حتى الأسبوع القادم. لا داعي للمشقة والذهاب والعودة وترك عملك.) أكدت عليها جديتي في الشراء وأنني فقط أريد التخفيف عنها. قبلت الأمر وطلبت مني أن أعاود الاتصال بها يوم السبت لاتفاق على مكان لاستلام النقود والجهاز. لم ألق بالا لأي إعلانات أخرى عن الجهاز طوال يومين وكنت متحمسة لبدء استخدامه.
في الموعد المتفق عليه يوم السبت تواصلت معها للاتفاق على التنفيذ لكنني فوجئت بها تخبرني في برود أنها قد باعت الجهاز بالفعل. جملة واحدة حظرتني بعدها ومنعتني من التواصل معها بأي شكل من الأشكال. لامني زوجي لتصرفي الخاطيء وتأجيل الاستلام لأنها بالتأكيد قد لمست في عدم الجدية. ثرت وغضبت لأنني لم أفكر إلا في التخفيف عنها بدلا من اضطرارها لترك عملها والقيادة مسافة ساعة للذهاب ومثلها للعودة لتحضر الجهاز. لم أفكر في حاجتي له وأجلته يومين دون تردد لكنها لم تحترم ما فعلته من أجلها وباعته ببرود دون حتى أن تخبرني وأضاعت علي فرصا أخرى للشراء لأنني تجاهلت كل الإعلانات اللاحقة!
لقد وضعت نفسي مكانها فجنبتها مشقة لا ضرورة ملحة منها. يمكنني انتظارها في رحلتها القادمة للمنطقة بدلا من تكبد المشاق خصيصا من أجلي. لماذا أفكر دوما في غيري ولا يفكر في أحد؟! هل أخطأت في عرض الانتظار أم كان الأجدر بي أن أطلب منها التسليم الفوري فهي من عرضت البيع وعليها تحمل عواقب ما أعلنت عنه. لم تصدقني وارتابت في صدق كلامي. لم تأخذ عرضي على محمل الجد ولم تكلف نفسها حتى مجرد الاعتذار وتحديث معلومة أنه لم يعد متوفرا! لماذا يتعامل الناس معي بلامبالاة وأنا دوما أضع راحتهم أولوية قبل نفسي.
أسئلة صديقتي مشروعة وحياتها سلسلة من المواجع بسبب تفريطها في حقها وتهاونها وتبسيطها للأمور فيكون الثمن على حساب راحتها ومصلحتها. للأسف لم يعد أحد يقدر (الآخر) ولا يسعى لاحترامه. قليل من الناس من يعمل بمبدأ(حب لأخيك ما تحب لنفسك) بل ولم يعد أحد يصدق أن هناك أناس مازالوا يفكرون في غيرهم ويؤثرونهم على أنفسهم. كم يتألم هؤلاء البشر الطيبون وكم يعانون من أجل السباحة ضد تيار الفردانية والمصلحة الشخصية. عطاؤهم بلا حدود ويفتحون قلوبهم على مصراعيها فتهب عليها رياح خماسينية متربة لا ربيعية مزهرة كما كانوا يعتقدون!
التعليقات