أيام عيد وفرحة تهب على الجميع. أوقات طال انتظارها وفرصة سنوية لفعل كل ما حجبته مشاغل الحياة. تختلف ترتيبات الكبار عن الصغار فالكبار يفكرون في التزامات عائلية وأسرية ومشتروات وزيارات مرتقبة. أما الصغار فلهم في الأعياد مآرب أخرى أو هكذا كان الحال على مر السنين وتناقلته الأجيال واحدا تلو الآخر؛
هذا ما وجدنا عليه آباءنا.
في مكان بعيد عن المدينة وصخبها حل العيد ضيفا عابرا لبضعة أيام. اكتست الوجوه بالفرحة والتمعت العيون حماسة. النساء منشغلات بتجهيز أصناف الحلوى والرجال يتزاورون أما الأطفال فبهجة العين والقلب. منذ ساعات الصباح الأولى خرجت البنات بملابسهن الملونة وشعورهن المصففة بعناية تزينها الشرائط المزركشة. تمسك كل واحدة بيد أختها أو صاحبتها في سعادة يحملن حقائب صغيرة يجمعن فيها العيديات لا يشغلهن كم مقدارها. أما الأولاد فملابسهن جديدة كذلك يسرن جنبا إلى جنب يتأبط كل منهم ذراع صاحبه. كل الأطفال سعداء وملابسهم جديدة حتى ولو كانت قطعة واحدة فقط فهي كافية وتفي بالغرض.
تجتمع العائلات ويتحلق الجميع حول أطباق الحلوى. من بيت لآخر تتوافد الزيارات وتتوزع الفرحة بالتساوي على الجميع. يعم الدفء أرجاء البلدة الصغيرة. أجول نظري بين الجميع؛ البهجة لا تخطئها عين والألوان جميعها حاضرة. لا يوجد شقي ولا محروم فالكل يتقاسم اللعب والحلوى بل والعيدية أيضا عن طيب نفس ومودة حقيقية. أتركهم في رضا بعدما أربت عليهم بنظراتي الحانية: دمتم في سعادة ونقاء.
أعود لمدينتي الصاخبة وأطفال بيئتي الذين هم نظريا من نفس الجيل الذي تركته خلفي يستمتع بالحياة. في تجمع كبير أجد كلا منهم حاضرا بجسده مغيبا بروحه. يمسك كل منهم بهاتفه المحمول بينما يجلس منعزلا تماما عن واقعه. لا يكاد يسمع أو يبصر ما يدور حوله. هذا متذمر وتلك ناقمة. ملابسهم غريبة قاتمة الألوان متشابهة الهيئة. أجول نظري بينهم فأكاد أرى منتجات مصنع موحدة الصنع لا أشخاص يفترض أن كلا منهم قائم بذاته يمتلك كيانا مستقلا. لغتهم هجين بين العربية والأجنبية. أفكارهم مستوردة يجلسون متذمرين ملولين مجبورين على حضور تجمعات عائلية لا فائدة منها - بحسب قولهم.
أجلس بينهم أتأملهم في صمت. لماذا لا يشبهون الجيل الذي تركته منذ قليل في تلك البقعة النقية. أليسوا مواليد نفس السنة؟! ترى ما الذي أذهب بطفولتهم وبراءتهم؟! هل الآخرون متخلفون عن ركب الحضارة والإنترنت بينما أولادنا مميزون وأكثر حظا وتعليما؟! هناك لم يمتلك كل طفل شاشة خاصة به تأسره وتحيط به وتلقمه أفكارها وتوجهاتها وتشكله تشكيلا لا يشبه كل ما يحيط به.
هذا الجيل الذي يسمي نفسه أو أسموه صانعوه بجيل Z فقد الكثير من براءته وفطريته وفرحته. لم يعد شيء يرضيه ولا يوافق هواه. استخف بكل شيء وبالكثير من مفاهيم الحياة التي لا وجود لها في قاموسه ويرفض حتى البحث عنها في محرك بحثه المفضل؛ جوجل. لا ننكر أنه جيل ذكي يسبق عصره وأتيحت له كمية هائلة من المعلومات التي ساهمت في تطور عقله واكتساب مهارات قضينا نحن الجيل السابق وقتا كبيرا حتى حصلناها.
أقارن بين وجهين لنفس الجيل ولنفس المرحلة العمرية. يا ليتنا نمزج بين الفطرة السليمة والنقاء الطفولي وبين مكتسبات عالم الإنترنت والتكنولوجيا. نحتاج لجيل يوازن بين مراحل عمره الحقيقية وبين العالم السريع الذي يعيش فيه. من يحقق التوازن؟ من يتشبث بفترة زمنية ضاعت عندما قفز هؤلاء الأطفال وتخطوها ليجدوا أنفسهم فجأة من الطفولة المبكرة لهجين غريب بأجساد مازالت غضة ونفوس أجبرت على العيش بمشاعر ومكتسبات مقحمة لا توافق طبيعة المرحلة والتطور الطبيعي في سلم النمو النفسي والعقلي!
التعليقات