هكذا بدأت هدى شعراوي رحلتها الطويلة لتحرير المرأة، حيث كانت البداية كما روت في مذكراتها عندما دخلت إلى سن المراهقة ولمست التفرقة بينها وبين أخيها الأصغر منها، وهذا على الرغم من كونها ابنة باشا من أعيان مصر، وسيدة أرستقراطية من أصول شركسية، ولكن المشكلة كانت دائما في كونها فتاة.
عاشت التفرقة بكافة مراحلها، بداية من أمور يتقبلها العقل آنذاك مثل التفرقة في مرحلة التعليم وتكوين الصداقات وممارسة الحياة الاجتماعية بشكل عام، إلى وصول الأمر إلى حد الغلاوة .... فعندما أصيب كلا من هدى وأخيها الأصغر بالحمى وجدت هدى الأطباء ملتفين حول أخيها وأمها لا تغادر فراشه، ولا يقترب أحد من غرفتها للاطمئنان عليها لا أمها ولا طبيب، فكانت تلك اللحظة الأكثر قسوة في حياتها، حيث أدت إلى كرهها لذاتها، لهويتها، لأنوثتها، فتمنت لو كانت ولدا.
لم تقف صدماتها النفسية عند هذا الحد أبدا، حيث دبرت لها أمها زواجا تقليديا وهي في عمر الثالثة عشر ولم تعلم هدى بالموعد إلا قبل عقد القران بنصف ساعة، وكان الزواج من ابن عمتها علي شعراوي؛ والذي كان واصيا على العائلة وعلى جميع ممتلكات والدها. دبرت والدتها هذا الزواج من أجل الاحتفاظ بخيوط اللعبة في يدها وضمان مستقبل ابنها الصغير، ولم تأبه بعمر ابنتها الصغير، ولا بكون العريس يكبرها بأربعين عاما، ولا بكونه متزوجا وله ثلاث بنات أكبر من هدى في العمر.
كانت هدى ومنذ اللحظة التي كرهت فيها أنوثتها، قررت أن تصبح أفضل من أخيها، مع الحفاظ على حبها له فهو كان سندها، والوحيد الذي كان يحنو عليها بعد وفاة والدها، فأخذت منذ عمر صغير متابعة دروس النحو والتركية والفرنسية والبيانو كما ختمت القرآن الكريم حفظا، في عمر التاسعة، ولكنها حُرمت من كل أحلامها ورغباتها بزواجها الملعون، حيث اكتأبت بسببه وذهبت للعلاج إلى فرنسا، وهناك كانت بداية تعارفها مع حركة تحرير للمرأة.
عادت إلى مصر حاملة للعديد من الأفكار الغرض منها واحد وهو حصول المرأة على حقوقها، ولكن بسبب الظروف الصعبة التي عانت منها، كانت أغلب متطلباتها لها اتصال بشكل أو بآخر بمعاناتها، فطالبت بوضع سن قانوني لتزويج الفتاة وهو السادس عشر، كما طالبت بتقييد حق الرجل في تعدد الزوجات إلا بقرار من المحكمة في حالة معاناة الزوجة من العقم أو مرض بلا أمل في الشفاء، مع الحد من سلطة الولي أيا كانت، وتقييد حق الطلاق، كما طالبت بحصول المرأة على حقوق سياسية مساوية للرجل، مع الجمع بين الجنسين في التعليم في مرحلة الطفولة والمرحلة الابتدائية، كما وصل كرهها إلى أنوثتها إلى تقديم طلب للمجمع اللغوي بالقاهرة وجميع المجامع اللغوية العربية، من أجل حذف نون النسوة من اللغة العربية.
قادت هدى شعراوي العديد من الجمعيات والتنظيمات الحاملة لشعارات تحرير المرأة، كما أسست الاتحاد النسوي المصري، بالإضافة إلى مشاركتها في العديد من الحركات السياسية في مصر وخاصة ثورة ١٩١٩ حيث نظمت مظاهرة كاملة من النساء.
وكان من أصدقائها وشركائها في قضيتها آنذاك نبوية موسى أحد أشهر رؤساء الحركة النسوية في مصر والتي كانت تنادي بحق المرأة في التعليم والعمل، ولكن ظلت هدى شعراوي هي الأشهر وصاحبة الكلمة الأكثر استماعا وتأثيرا.
وصل تأثيرها إلى شاعر الشعب "بيرم التونسي" ليكتب لها قصيدته "بردون يا شعراوي"، فقيل عنها المرأة التي أجبرت سليط اللسان على مدحها.
" ..... غلبت أقول للرجال خلوا المره حرّه
تخش رخره المجال تفهم وتتدرّى
العاقلة بنت الحلال ما يضرهاش برّه
لكن بتنصح ف مين روس جامدة سنطاوي ...."
هكذا كانت القضية وهكذا كان الهدف منها، كانت القضية هي تحرير المرأة من قيودها الظالمة، فكيف أصبحت دعوى لجعلها ظالمة؟ كان الهدف دوما هو ممارسة المرأة لكل ما هو مباح لها شرعا وليس الفرض فقط، فالمرأة من حقها التعليم والعمل لأنهما فريضة على كل مسلم ومسلمة، ومن حقها أيضا أخذ نصيبها من متاع الدنيا الحلال مثل الرجل، فلها حياة وهوايات ورغبات واجب عليها تجاه نفسها تحقيقها.
ولكن لا يجب أن تنشغل المرأة بواجبها تجاه نفسها عن واجبها تجاه أسرتها، فكل واجب هو تقديم حق لصاحبه، ومنعه إثم ستحاسب عليه عاجلا أم آجلا.
التعليقات