قال تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" فكما خلقنا الله لعبادته فقد أخبر تعالى ملائكته أنه جاعل في الأرض خليفة لإعمار الأرض بالعلم النافع والعمل الصالح و في سبيل ذلك علم آدم الأسماء كلها.
وقد يصبح العمل عبادة بالنية والاحتساب بنفع البشرية إرضاء لله تعالى.
ولا تتربى النفس إلا بالعلم والإيمان معا وحتى الإيمان هو في حد ذاته علم يقيني بالله تعالى بوجوده وقدرته واستحقاقه علم راسخ مستقر في القلب والوجدان.
بتوازن هاتين الكفتين -العلم والإيمان- يتحقق التوازن في الحياة. كفتان لو رجحت إحداهما عن الأخرى لاختل ميزان الوسطية القويم ولانحرفنا نحن لأقصى الطرف وحِدنا عن الطريق المستقيم.
فعلم بدون إيمان يحول الحياة لمضمار تنافس غير شريف يكثر فيه القتل والسطو والدمار والتفنن في الحروب ونشر الأوبئة ولتحول كل شيء لأداة وسلعة في أيدي المستغلين.
والإيمان وحده بمعزل عن العلم ليس هو طوق النجاة بل قد يحولنا الى مجموعة دراويش لا نفع منها بل عالة على المخلصين الجادين.
علمنا الراسخ بالخالق المنعم العظيم يقوي الإيمان ويرسخه، فكيف نعلم خالقنا ورازقنا ثم نعصاه بعلمنا الذي منحنا اياه؟
وليس الإيمان هو التدين الظاهري الذي لم يتخلل شغاف القلب، الذي يتفرغ للأداء الظاهري للعبادات دون أن يصل إلى الهدف والمقصود الشرعي منها ويدعو إلى نبذ العلوم المختلفة من طب وكيمياء ورياضيات ويسمونها زورًا علومًا دنيوية ويحث فقط على ظاهر الدين دون تدبر وتفقه حقيقي لجوهره وروحه وفق مراد الله عز وجل مدعين ان هذا هو العلم الشرعي، والشرع براء من هذا التقسيم وهذا الجمود الذي لم يقصد به مجرد تقسيما علميا ولكن تعداه للدعوة إلى الجهل لنظل دائما بحاجة للغير متسولين لعلومه مستهلكين لإنجازاته.
تحوَّل الالتزام بنظرتهم القاصرة إلى غِلظة وفظاظة مبتدعين منهجا بعيدا عن تعاليم الأديان السماوية بكل ما فيها من الرحمة والموعظة الحسنة والرفق واللين.
فما أرسل الله الرسل إلا رحمة للعالمين ليرشدوهم إلى الصراط المستقيم وتخلصهم من الأوزار التي تثقل كواهلهم وتقيد أطرافهم وتستعبدهم لغير الله فيصبحوا فريسة سهلة لشيطانهم يتلاعب بهم ويوردهم موارد السوء. وما أصبحوا كذلك إلا لأنهم فقدوا العلم فصور لهم جهلهم ان هذا هو الإيمان الحق.
والفصل بين العلم والإيمان يذكرني دائما بألفريد نوبيل المهندس والكيميائي السويدي وكيف كان اختراعه للديناميت في ١٨٦٧ ملهمًا له ليوصي بمعظم ثروته لمن يخدمون البشرية في جميع المجالات من خلال جائزته المشهورة وكأنه يتبرأ من كل ما خلفه اختراعه من دمار.
كل أمر في الحياة له جانبان جانب مظلم وجانب مشرق بل له وسط وطرفي نقيض وعلينا نحن الاختيار بين الظلمة والنور ملتزمين دوما بأوسط الأمور ولن يتحقق ذلك إلا عن علم صادق وإيمان راسخ.
التعليقات