في أحد صباحات يناير المشمسة 2024... وبينما أسير في شوارع مدينتي الصغيرة. يترافق صوت خطواتي مع نسيم الهواء العليل الذي يلفني برقة. لم أكن أتوقع أن يستفيق الزمن القديم بكل هذه القوة في تلك اللحظة، فجأة، وكأنما الأزمان تلتقي لتأخذني بعيدا، إلى تلك الذكريات الجميلة والمشاعر الدافئة التي عشتها في أيام الثمانينيات والتسعينيات. إذ بي اسمع صوتا يعلو في الهواء، "جراااااااايد... أهرام... جمهورية... وفد!"، هكذا كان ينادي، بصوت ملئه الحيوية والتفاؤل، يااااااااااااااااااه... من أين أتيت أيها البائع... هل أنت هنا فعلا أم هي خيالات الماضي المستدعاة... كيف ناديتها بكل هذه الدقة وبنفس نفس اللحن القديم... وكأنك ناديت على قلبي معك... كمْ مر شريط عمري، وكأنه يحمل في طياته لمحة من أيام في عقلي الآن، لأجد نفسي تحكي قصصا لا تنسى.
لم يكن الصوت مجرد دعوة لشراء الجرائد، بل كان كالعودة في الزمن، لحظة فريدة تجتاحني بمشاعر الحنين والشوق. كأنني ما زلت عالقة في تلك الأيام، متشبثة بكل لحظة مررت بها، تاركة بصمة لا تزول في ذاكرتي.
أغلقت عيني، تاركة نفسي تغمر بمشاعر تلك الأيام، أيام البراءة والبساطة، أيام لم تكن فيها الهواتف الذكية تسيطر على حياتنا، ولم تكن فيها وسائل التواصل الاجتماعي تشتت انتباهنا.
تذكرت متعة قراءة الجرائد ونشوه انتظار بائعها لحظة إلقائها داخل شرفة منزلنا. لأكون دائما أول من يستحوذ عليه، صاحبة السبق الأولى والنشوة في قراءته...
تذكرت الراديو والشرق الأوسط والبرنامج العام وأم كلثوم والساعة السادسة. تذكرت فؤاد المهندس وكلمتين وبس. تذكرت إيناس جوهر الدنيا هي الشبه وأنت الجدع، تشوف رشاقة خطوتك تعبدك لكن أنت لو بصيت ورآك تقع. وتحت العشرين وأنف وثلاث عيون. تذكرت مسرحيات الساعة الواحدة. وابله فضيلة وآمال فهمي وفاروق شوشه ولغتنا الجميلة... يااااااااه...
تذكرت بيت جدي، والمكان الآمن الوحيد لمشاهدة مسلسل الساعة السابعة في أحضانه...
تذكرت ألعابنا البسيطة، تلك التي كنا نلعبها في الشارع، ونضحك من كل قلوبنا، دون أي هموم أو مشاغل.
تذكرت حكايات جدتي، تلك التي كانت تسعدنا وتلهينا، وتعلمنا معنى الحياة والقيم الإنسانية.
ذكريات عديدة تتلاحق داخل مخيلتي، لتتسابق مع نبضات قلبي . وكأنه وجد ما كان يشتهي .
ليرن هاتفي الذكي. لأفتح عيني وأجدني ما زلت في ذلك الشارع. انظر لأوله تارة وآخره تارة لاكتشف أنني عدت إلى واقع اللحظة. وتركت أجمل الأيام التي لا تنسى والتي حفرت في الذاكرة إلى الأبد. أيام كانت مليئة بالحب والسعادة والبهجة، أيام علمتنا معنى الحياة الحقيقية. أيام فقدناها ولكنها ما زالت تعيش بداخلنا..لأدرك أننا تَرَكْنَا زمان لم يَتْرُكْنَا.
التعليقات