استوقفتني فاصلة (،)، تعني من المعاني الكثير. فاصلة واحدة غيرت المعنى إلى النقيض، من لا أريدك إلى أنا أريدك.
دون تغيير في الحروف استطاعت فاصلة بسيطة تغيير المعنى والوقوف على رغبة حقيقية ما لا يستطيعه الكثير منا.
الكثير من العلاقات اليوم تحتاج لمثل تلك الفاصلة. دعني أخبرك يا صديقي أن الكثير منا لا يجيد وأحيانا يخشى التعبير عن نفسه. نحن نحتفظ بأكثر ما بداخلنا خشية إفلاس القلوب.
أعرف أناس يخشون على قلوبهم من النظرة الحادة، من الكلمة الثقيلة، من أجل أن يحفظ يومه من الوجع وتقلب المزاج.
أصبحنا نعيش في زمن بدون تشكيل. فقدت الكثير من حواراتنا النقاط على الحروف، الهمزة على الألف فأصبحت همزة الوصل تعمل مقام الجميع. الأسوأ أننا بقينا نترك الجمل دون وضع نقطة آخر السطر، فصارت الجمل مقطوعة مبتورة واختل خلفها المعنى والمقصد.
سيدي هل سألت نفسك مؤخرا متى كانت آخر مرة شكرت أحدا بصدق؟ هل شكرت زوجتك على إعداد الطعام أم تعودت أنه يقدم لك كل يوم فأصبح حق مكتسب؟ هل شكرت إبنتك التي قامت من مخدعها لتعد لك كوب من الشاي؟ هل شكرت سائق التاكسي الذي أقلك؟ هل شكرت أبيك الذي يكد على أمانك من يوم مولدك؟ هل صار أمك وأبيك جزء من ثوابت البيت؟ هل شكرت صديقك الذي بات يحرس السنوات التي بينكم بالجود والكرم؟
كل التفاصيل الجميلة تختفي من حياتنا بالإهمال. إن من أعظم فوائد التقدير أنه يبقي على المودة ويجعل صنائع المعروف في محلها.
ما أخذ بسيف الحياء فهو حرام، هي مقولة شهيرة يطبقها الكثير منا دون وعي عن الجرم الذي اقترفه في حق شريك حياته.
ليس النجاح في استمرار العلاقات بل هو في بقائها حية.
بعض القلوب محتشمة، تخجل أن تطالب بحقوقها مرتين. هناك حياة واحدة نعيشها لنا كل الحق أن تكون معاملاتنا فيها قيد الاحترام والتقدير.
الحياء في اللغة مأخوذ من الحياة، ولذلك يسمى الغيث حَيا؛ لأن به حياة الأرض والنبات والدواب. قال العلماء: كما أن الماء حياة الأرض، فكذلك الحياء حياة القلب. فقلب لا حياء عنده هو قلب لا حياة فيه.
القلب البَريّ لا حياء ولا حياة فيه. من قوة خُلُق قلبك أن يبدو مروضًا، أن تُربيه على شكر النعم، أن تعلمه أن التعود على النعم هو أول طريق اندثارها، نعم وليس استبدالها بنعم أقل منها.
الشكر مكرمة، من الصفاقة أن تظل ذاكرة تخزين الطيبات خاوية في قلبك. كل ما أخذته ولم تشكره سيغادرك ولو طال بك الزمان.
ابتسامتك في وجه من تحب رد جميل، طبطبة على كتف متعب هي الفاصلة المنقوطة التي يتوقف عليها الحب فيما بعد.
في اللغة العربية، فَاصلَة : كلمة أصلها الاسم (صِلَةٌ) في صورة مفرد مؤنث وجذرها (وصل) وجذعها (صلة) وتحليلها (ف + صلة).
ألا يمكن أن تكون مثل تلك الفاصلة، أن يكون الوصل منهج، وأن تكون الصلة الحانية دستورك.
التقدير يصنع الحب ويثبت دعائمه. الشكر هو تنمية موهبة الرقي بداخلك. لا تكن مثل قمة الجبل بعيدة ويراها الناس صغيرة.
لو بحثت عن الشكر على موقع جوجل ستجد جمل جاهزة مكتوبة لشكر المعلم والأخ والأم والصديق، جمل تحمل معاني الامتنان لكل من على الأرض.
تعجبت بشدة كيف لإنسان أن يحتاج لنسخ كلمات الشكر. إن شعورك أنت بالشكر واحساسك به هو ما يصنع مصداقية الامتنان.
يكفيني أن أرى الشكر في عينيك وسلوكك وتصرفاتك، يكفيني يد دافئة تربت على ظهر متعب، يكفيني كلمة ثقيلة حبستها أنت واستحققتها أنا، ويكفيني أن تسير أيامي بلا مفاجآت، غير ذلك فهي معان لسد الخانة.
ولقد أصبح سد الخانة هو دستور الكثير من الناس. يستثقل البعض الشكر لظنه أن المعروف حق مكتسب. حتى برك لأبيك وبره لك نعمة تستوجب الشكر من كلاكما.
الشكر حليف الهمة، الحافز الطيب الذي تتكسر عليه صخور الشدة.
أن يكون لديك ما تشكر الناس عليه لهو نعمة في حد ذاتها. أوعية القلب الفارغة تصدر ضجيج لا يليق بالإنسانية.
بخلاف أبناءك، فإن الترحيب بك في الدنيا مرهون غالبا بقدر عطائك، فلا تستفزوا أسوأ ما بالقلوب بشح الكلمات.
التعود على التبسم يجعل وجهك مريح، وكذلك التعود على الشكر يا صديقي يجعل حضورك مريح ومرحب به.
أهلا بك من اليوم في عالم مليء بكل التفاصيل الجميلة تختفي منه مخمصة القلوب، مليء بالعرفان والكلمات الطيبة.
أهلا وسهلا بك إن كنت تملأ فراغ روحي بطيب كلماتك، وإن كنت غير ذلك فَلْتُفلت يدي فإن طاقة التحمل بداخلي قد أوشكت على النفاذ!
التعليقات