استطاعت السينما الأردنية، في السنوات الأخيرة، أن تفرض لنفسها مكانًا ومكانة على خريطة المهرجانات، وتشارك رسميًّا في مهرجان (البحر الأحمر)، بفيلم (إن شاء الله ولد)، الذي انطلق من مهرجان (كان) في مايو الماضى، حاصدًا أكثر من جائزة، ولا يزال هدفًا للمهرجانات والجوائز.
ما دلائل نجاح العمل الفنى؟. أول الأسرار أن تجد نفسك مدفوعًا لكى تشاهده مجددًا، ولا تكتفى أبدًا برؤية واحدة، وهذا هو بالضبط ما حدث لى مع الفيلم الأردنى (إن شاء الله ولد) إخراج أمجد الرشيد. بعد عرضه بمهرجان (كان)، وجدته في (البحر الأحمر)، فذهبت إليه مجددًا. (البحر الأحمر) مرصع بعشرات من الأفلام المهمة، إلا أن هناك العديد من التفاصيل في المعالجة السينمائية التي يحملها الشريط، تدفعك إلى التفكير في المأزق الفقهى والقانونى والاجتماعى الذي يتصدى له حتى يُنير أمامنا طريق الخلاص.
الشريط السينمائى به إسهامات إنتاجية من صناديق عربية، مثل: ملتقى القاهرة السينمائى، ومهرجان البحر الأحمر، ومؤسسة الدوحة، وتلك أصبحت واحدًا من ملامح الإنتاج في العالم كله، وتتعدد الإسهامات المالية مثل (مركز السينما العربية) للباحث السينمائى علاء كركوتى، كما أن هناك مشاركة إنتاجية مصرية من شاهيناز العقاد، بينما مونتاج الفيلم لأحمد حافظ، ومدير التصوير كانيمى أونا ياما، الذي حصد فيلمه (كل شىء كل مكان في نفس اللحظة) جائزة الأوسكار.
الفيلم يتناول بنعومة وذكاء وأيضًا بإبداع موقف الشريعة الإسلامية من الزوجة التي تعول ابنة بعد رحيل زوجها، وحق العم الذي ينازعها الميراث- الذي لا يتجاوز شقة الزوجية- بحجة أنه يتكفل برعاية ابنة أخيه، رأيناه لا يعنيه شىء في الدنيا سوى حقه في الميراث، حتى لو كان الثمن طرد أرملة أخيه وابنتها إلى الشارع.
محاور متعددة قدمها المخرج أمجد الرشيد، المشارك في كتابة السيناريو، بما فيها علاقتها الملتبسة مع الزوج، ونظرة المجتمع إلى المطلقة، السيناريو يفتح العديد من الأقواس، ويتركها، ثم يعود إليها ليُغلقها ليفتح أقواسًا جديدة، وحتى نهاية أحداث الفيلم، لم يغلق كل الأقواس.
لا توجد أحداث مجانية، بما فيها تسلل الفأر إلى المطبخ، والذى ينتهى بالتخلص منه. تأجيل الحسم يشبه تمامًا ما حدث للبطلة، في مواجهة أبسط الأشياء التي تتعرض لها، فهى أيضًا كانت مترددة وتؤجل اتخاذ القرار.
شاهدنا الزوج فقط في المشهد الأول، والزوجة التي أدت دورها بإبداع «منى حوا» تطلب منه ممارسة الجنس، بعد أن أخبرها الطبيب بأن اختيار التوقيت في أيام محددة (التبويض) يزيد من فرص الحمل، كانت تريد شقيقًا للبنت.
الفيلم يقدم الموت ببساطة ليستطيع أن يناقش مباشرة قضيته، ولم يستغرق كثيرًا في طقوس الحزن، ولكنه قدم ما هو متعارف عليه كموقف متزمت للأرملة من خلال نظرة تتدثر عنوة بالدين وعنوة بالتقاليد. البساطة في تقديم مراسم الموت، والقفز بسرعة على أحزان الطفلة، كان المقصود به تهيئة كل الأطراف لمناقشة القضية الأهم، التي يمتزج فيها الموروث الثقافى بالفقهى، وتختنق تحته العدالة، وتنتحر الإنسانية.
موقف الشريعة من تلك الأسرة، وهو ليس في الحقيقة موقفًا قاطعًا للشريعة بقدر ما هو تفسير قاصر لها. وهذا يجيب عن سؤال: لماذا صفق الناس في دار العرض عندما اكتشفوا دراميًّا أن البطلة حامل، وكأنهم يقولون معها: (إن شاء الله ولد) حتى تنتهى مشكلة الميراث، رغم أننا في بعض الأعمال الدرامية تابعنا أن إنجاب الولد لا يكفى قانونيًّا لإغلاق تلك الصفحة؟.
الرقابة الأردنية وافقت على السيناريو والشريط السينمائى، ممثلًا للدولة، في العديد من المهرجانات، التي بدورها وافقت عليه بدون تحفظ أو حذف.
أتمنى أن يحظى بنفس المعاملة مع الرقابة المصرية، المتحفظة، والمتحفزة، عندما يُرشح لتمثيل الأردن في أي مهرجان يُعقد على أرض المحروسة!!.
التعليقات