الانتخابات الرئاسية الخامسة.. لماذا هى الأهم والأخطر؟

الانتخابات الرئاسية الخامسة.. لماذا هى الأهم والأخطر؟

عبدالمحسن سلامة

أمس الأول، انطلقت الانتخابات الرئاسية الخامسة ببدء عملية تصويت المصريين فى الخارج، التى من المتوقع أن تنتهى اليوم، وذلك فى 137 لجنة انتخابية موزعة على 121 دولة، حيث قامت الهيئة الوطنية للانتخابات بتجهيز مقار اللجان فى السفارات والقنصليات، وزودتها بكل أشكال الدعم الفنى اللازمة لعملية التصويت، سواء فيما يتعلق ببيانات الناخبين، أو أجهزة الحاسب الآلى والمسح الإلكترونى، وكل ما تستلزمه عمليات تصويت الناخبين فى سهولة ويسر وانضباط كامل.

الانتخابات الرئاسية الحالية هى خامس انتخابات تجرى بالاقتراع الحر المباشر، لاختيار رئيس الجمهورية، وكانت بدايتها فى 2005، ثم أعوام 2012 و2014 و2018، وأخيرا الانتخابات الحالية التى تعتبر الانتخابات «الأنضج» من بين الانتخابات السابقة، والأكثر أهمية بعد أربعة انتخابات رئاسية مباشرة سابقة.

الانتخابات الحالية يتنافس فيها أربعة مرشحين يعبرون عن قوى سياسية متنوعة وثرية، فالمرشح الرئاسى الرئيس عبدالفتاح السيسى مدعوم من كتلة ضخمة من الأحزاب السياسية، والمواطنين العاديين، وقد تمت ترجمة ذلك بتحرير ما يقرب من المليون ونصف المليون توكيل له من جموع المواطنين، بالإضافة إلى حصوله على تزكية 424 نائبا من نواب الشعب، بينما حدد الدستور وقانون تنظيم الانتخابات الرئاسية شروط الترشح بضرورة أن يؤيد الراغب فى الترشح ما لا يقل عن 25 ألفا من المواطنين من 15 محافظة، بحد أدنى ألف مواطن من كل محافظة، أو تزكية 20 عضوا من أعضاء مجلس النواب.

إلى جانب المرشح الرئاسى عبدالفتاح السيسى، نجح 3 مرشحين أقوياء آخرون فى كسر العتبة الانتخابية المقررة للترشح، وهم: المرشح الرئاسى فريد زهران، رئيس الحزب المصرى الديمقراطى، وكذلك المرشح الرئاسى حازم عمر، رئيس حزب الشعب الجمهورى، إلى جانب عبدالسند يمامة، رئيس حزب الوفد العريق.

الفرسان الأربعة جاءوا من خلفيات سياسية ثرية ومتنوعة، ويملكون رصيدا ضخما من العمل العام، وهم الأقرب إلى التعبير عن خريطة الشارع المصرى السياسية وأحزابه وبرلمانه.

لكل ذلك ستصبح هذه الانتخابات هى الأكثر حيوية ونضجا، خاصة أنها جاءت بعد نجاح مبادرة الحوار الوطنى، الذى انطلق خلال إفطار الأسرة المصرية فى رمضان قبل الماضى بالتنسيق مع كل تيارات وفئات المجتمع، حول أولويات العمل الوطنى خلال المرحلة الراهنة.

نقاشات كثيرة وحوارات معمقة دارت خلال جلسات الحوار الوطنى، أسفرت عن العديد من التوصيات التى تمت ترجمتها على الفور، والاستجابة لها، منها ما يتعلق بالإفراج عن أعداد كبيرة ممن كانوا على ذمة قضايا سياسية أو حتى هؤلاء الذين صدرت بحقهم أحكام قضائية، وقد استفاد هؤلاء من مبادرة الرئيس عبدالفتاح السيسى بالعفو الرئاسى، وذلك بعد أن تم التوافق على أسماء المفرج عنهم من خلال لجنة العفو الرئاسى التى تم تفعيلها أيضا خلال إفطار الأسرة المصرية.

بالإضافة إلى ذلك، استقبل الرئيس عبدالفتاح السيسى العديد من توصيات الحوار الوطنى بالاهتمام، وأحالها إلى الجهات المعنية، لترجمتها إلى قوانين وقرارات بعد ذلك مثلما حدث فى توصيات الإشراف القضائى على الانتخابات، وقانون المجالس المحلية، وقانون مباشرة الحقوق السياسية والتمثيل النيابى، وغيرها من الأفكار والتوصيات التى ستسهم فى فتح المجال العام، ورفع سقف الأفق السياسى خلال المرحلة المقبلة.

لكل هذا جاءت الانتخابات الرئاسية الخامسة وسط حالة من الانفتاح السياسى، والروح الإيجابية لدى كل التيارات والأحزاب السياسية، وهو ما انعكس على عدد ونوعية المرشحين للانتخابات الرئاسية، التى ستنتهى فيها اليوم جولة تصويت المصريين بالخارج، استعدادا لانطلاق عملية التصويت بالداخل الأحد المقبل، وعلى مدى ثلاثة أيام أيضا (الأحد والاثنين والثلاثاء).

تزامن مع انطلاق الانتخابات الرئاسية الخامسة انفجار الأوضاع فى غزة منذ 7 أكتوبر الماضى، ووقوع عملية «طوفان الأقصى»، لتنطلق بعدها أكبر مجزرة فى التاريخ الإنسانى الحديث ضد الشعب الفلسطينى فى غزة، التى راح ضحيتها حتى الآن مايقرب من 16 ألف شهيد، وأكثر من 36 ألف مصاب، معظمهم من الأطفال والنساء، بالإضافة إلى أكبر عملية تدمير للبنية التحتية، وتدمير 60٪ من منازل قطاع غزة بشكل كلى أو جزئى، وتدمير المقار الحكومية والوزارات والمنشآت الخدمية، وكذلك المدارس والمستشفيات فى جرائم إبادة جماعية، وجرائم حرب غير مسبوقة، وذلك كله فى إطار مخطط شيطانى إسرائيلى رهيب لتهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء، وتصفية القضية الفلسطينية.

كان الرئيس عبدالفتاح السيسى أول من كشف المخطط الإسرائيلى، وتصدى له، رافضا تهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم المحتلة، ومتصديا لمخطط تصفية القضية الفلسطينية.

أعلن ذلك بوضوح منذ اللحظة الأولى لاندلاع الحرب على غزة، ثم أعلنه خلال اللقاءات العديدة بالمسئولين من مختلف دول العالم، بدءا بالرئيس الأمريكى جو بايدن، ووزير خارجيته أنتونى بلينكن، مرورا بالرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، والمستشار الألمانى شولتز، ورئيس الوزراء البريطانى ريشى سوناك، ورئيسى وزراء إسبانيا وبلجيكا، وغيرهم من قادة وزعماء العالم الذين التقاهم الرئيس أو تباحث معهم تليفونيا، موضحا خطورة مخطط التهجير، ورافضا مبدأ تصفية القضية الفلسطينية، واعتبار ذلك خطا أحمر مصريا.

كانت مصر أول من دعت إلى قمة القاهرة للسلام بعد نحو أسبوعين من اندلاع الحرب، وبالتحديد فى 21 أكتوبر الماضى، وأعلن خلالها الرئيس ‎عبدالفتاح السيسى موقف مصر الداعم للشعب الفلسطينى، مؤكدا ضرورة حل القضية الفلسطينية بوصفها أصل المشكلة وجذرها، وأنه لن يكون هناك سلام دائم وعادل سوى بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧، وعاصمتها القدس الشرقية، طبقا لمقررات الشرعية الدولية.

‎ألقت الحرب فى غزة بظلالها على الانتخابات الرئاسية الخامسة على اعتبار أن الدولة المصرية مستهدفة من خلال هذه الحرب فى إطار مخطط التهجير الفلسطينى إلى سيناء، وهو الأمر الذى لاقى تجاوبا غير مسبوق من كل طوائف وأفراد الشعب المصرى، الذين توحدوا خلف قيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى، داعمين موقفه الإستراتيجى فى تلك القضية التى هى من صميم الأمن القومى المصري.

‎الانتخابات الرئاسية الخامسة تجرى فى هذا التوقيت العصيب والمعقد، ومن هنا تكمن خطورتها وأهميتها فى آن واحد، لأن التصويت والإقبال على المشاركة فى هذه الانتخابات يعنى وصول صوت المصريين إلى كل دول العالم بالتفافهم حول القضايا الإستراتيجية القومية، ورفضهم كل مخططات تهجير الفلسطينيين من غزة أو غيرها، وكذلك رفض تصفية القضية الفلسطينية تحت أى مسمى، وضرورة الاعتراف بالدولة الفلسطينية طبقا لمقررات الشرعية الدولية، بعيدا عن التأجيل والتسويف والمماطلة المستمرة منذ حرب 1967، التى ابتلعت خلالها إسرائيل كامل الأراضى الفلسطينية، ثم رفضت بعد ذلك الاعتراف بحق الشعب الفلسطينى فى الوجود، وإقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967.

المؤكد أن حالة الوعى الشعبى الهائل التى ظهرت خلال أحداث حرب غزة، والتى لاتزال مشتعلة حتى الآن، سوف تنعكس إيجابيا على المشاركة الكثيفة فى هذا الانتخابات الرئاسية، بما يؤدى إلى توصيل رسالة إلى كل دول العالم باصطفاف الشعب المصرى خلف قيادته من أجل الحفاظ على الأمن القومى المصرى، ورفض كل مخططات تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، وإفشال سياسة إسرائيل التوسعية، وأحلامها فى إقامة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات.

التعليقات