من خلال عملي السابق في مجلة "العربي الصغير" بالكويت، ومن خلال متابعتي لما ينشر من شعر للأطفال في بعض مجلاتنا الموجهة إليهم في مصر وخارجها، أكاد أشعر بنوع من الاستسهال والكتابة النمطية للأطفال، فضلا عن الموضوعات الجاهزة والتي يتم تناقلها في عشرات القصائد دون إضافة رؤية جديدة ودون وعي وإدراك بأن طفل اليوم الذي يتعامل الآن مع شبكة الإنترنت والأجهزة الحديثة ومنها التليفون الذكي وخلافه، يختلف كثيرا عن الطفل ما قبل عشر سنوات، وعن طفل القرن الماضي اختلافا بينا.
وللأسف الكثير من المسئولين عن مجلات الأطفال لا يسعون إلى استكتاب من لهم خبرة ودراية بالكتابة للأطفال سواء شعرا أو قصصا مصورة أو قصصا مرسومة أو سيناريوهات، أو غير ذلك، فيقومون بتحميسهم للكتابة والمشاركة الفعّالة، وإنما يركنون إلى ما يجيء أو يصل إليهم عن طريق البريد أو الإيميلات، وقد يكون معظم ما يصل دون المستوى، ومع ذلك يضطرون لنشره لأن المجلة أو المطبوعة لا بد أن تصدر في ميعادها الشهري أو الأسبوعي الثابت.
أضيف إلى ما سبق عدم الاهتمام الحقيقي والجاد من معظم مَن يكتبون للأطفال بتطوير أدواتهم ورؤاهم وأفكارهم حول عالم الطفولة، ومحاولة معايشة هذا العالم عن كثب، ومشاهدة الأطفال في حالاتهم وتحولاتهم المختلفة، ومحاولة معرفة متطلباتهم وما يحتاجون إليه.
ومن هنا تأتي صعوبة الكتابة للأطفال. أنا لا أكتب ذاتي أثناء الكتابة للأطفال، وإنما أكتب عن ذوات أخرى تتدرج في السن وفي الأحاسيس والمشاعر والانفعالات، فضلا عن كيفية استقبالهم للعالم الخارجي، أو العالم خارج تلك الذات الصغيرة، سواء في المنزل أو مع الجيران والأصدقاء أو في المدرسة والنادي أو في جماعة اللعب... الخ. وأنا ضد مقولة أن الكاتب حينما يكتب للطفل فإنما يخاطب الطفل الذي بداخله. أعتقد أنها مقولة خاطئة، لأن الطفل الذي بداخل الكاتب قد يعود إلى ثلاثين أو أربعين سنة على الأقل، أما الطفل الحالي فيختلف كثيرا عن هذا الطفل الذي بداخل الكاتب كبير السن.
ومن هنا أفسر الضعف الذي عليه الإنتاج المقدم للطفل والذي لم يستجب لعالمه وذاته حاليا، ومن هنا أيضا أفسر حجب الجائزة التي أسستُها باسمي للنص الشعري المكتوب للأطفال عن طريق النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر، حيث لم يرق الإنتاج المقدم – على قلته – للمستوى المأمول. ومن هنا اتفق أعضاء لجنة التحكيم التي طالعت إنتاج المشاركين – على قلتهم – على حجب الجائزة، لأنها لا تجوز أن تذهب إلى إنتاج ضعيف، فنكرس بذلك لمزيد من الإنتاج غير الجيد. ويتقدم للمسابقة في العام القادم من هو أكثر ضعفا، إذا فاز بها إنتاج ضعيف هذا العام.
وأنا في حقيقة الأمر غير مطلع على ما يكتب للأطفال على مستوى العالم، فهذا من الصعوبة بمكان، خاصة أن حركة الترجمة ضعيفة جدا إن لم تكن معدومة، من اللغات العالمية مثل الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والألمانية .. إلى لغتنا العربية في هذا المجال. ولكن من خلال ما يعرضه أستاذنا الرائد يعقوب الشاروني – على سبيل المثال - نستطيع أن نقول إن البون شائع بين ما يقدم للطفل في الخارج، وما يقدم للطفل عربيا، فهناك مؤسسات متكاملة لإنتاج أدب الأطفال وتغذيتهم ثقافيا، وهناك دور نشر بكاملها مخصصة لنشر ما يكتب للأطفال، وهناك مكافآت سخية يحصل عليها الكتاب الذين يكتبون للأطفال. على عكس ما يحدث في وطننا العربي حيث ينادي كتابُنا في واد غير ذي طفل.
التعليقات