فقال صغيري بنبرة حزينة. مليئة بالأسى: "حياة الصغار صعبة"... يا لها من جملة تتصدر عقل طفل لم يتجاوز الثامنة من عمره. لا لشيء سوى لأن لديه دفترين وكتابين ملتزم بحملهم كل صباح لممارسة مهامه بالذهاب للمدرسة... مجبرًا على النوم مبكرًا ليستطيع أن يستيقظ مبكرًا.
بعكس ما هو متاح لنا نحن الكبار، ننام متى نشاء... نستيقظ وقتما نحب... فلا مسؤوليات نملك، ولا دفاتر تستحوذ علينا، وعلى وقتنا المليء بالمتع إلا متناهيه من الأعمال المستباحة . فلا يوجد من يراقبنا ليصحح لنا خطئنا، ولا من يوجهنا كل ساعة ، لما يجوز أو لا يجوز من وجهة نظره...
صغيري لم يدرك بعد معنى أن يقسوا عليك النوم، ويجافيك لما لم تستطع البوح به له... لم يدرك بعد أني ما زلت أهدهده في حضني، واحميه بقلبي من دنيا إن خرج إليها أردته أرضا مرات ومرات... لم يدرك أني أتفانى في تعليمه الحياة بكل حب. لن يراه في حياة حين تريد تعليمه درسا انكلته بلا هوادة، ولا رحمه حتى يفهم الدرس. لم يدرك أني ما زلت أمانة من خزلان الأحبة وخيانة الأعزاء... وأن حياة الكبار حقا هي المعاناة. وأن ليس كل متاح مباح. سيأتي اليوم لتكبر، وتفهم أن دروس المدرسة أمام معارك الحياة ماهي إلا كشط بحر تستمتع به، ولكن المعركة الحقيقية تبدأ عندما تتقدم لدواخله خطوة واحدة ، فتلاطمك أمواجه لتجبرك على تعلم العوم ، وإلا ستنتهي في أعماقه فيبتلعك...
أدرك يا صغيري معاناتك، وأدرك معها عقلك البريء الذي لم يفهم كوامل المواقف فيتمرد. الذي لم يعرف من المعاناة ، سوى ما فتحت له أنا أبوابها ، ليأخذ منها قليل القليل فلا يتعب... يوما ما ستتمنى أن تعود لحياة الصغار كما أتمناها أنا اليوم... ولكنه الزمن يا فتاي الصغير... لا يعود للخلف أبدًا...
مع مرور الوقت، ستكبر يا صغيري لتدرك تدريجيًا معنى الحياة الصعبة التي ستعيشها. ستأتي التحديات والصعوبات لتعلمك دروسًا ليست كتلك التي في كتبك، لتمر في متاهات الحياة مجبرًا، لتتخطي كل الصعاب غير مبالٍ بكل ما مر عليك...
دعني أخبرك سرًا... هل تعلم انه بداخل كل كبير هنالك طفل صغير يتمنى أن يحلم بسعادة بريئة، ولكن هذا الطفل الداخلي مكبوت بواجبات الكبار وتحديات الحياة المتعددة. لست وحدك من تتمنى... كلنا نتمنى...
عش يا صغيري حياتك، وتمتع بما لديك من معاناة دائمًا وابدًا في كل مراحلك العمرية، ولتعلم أنك حصيلة ما تمر به من معارك حتى لو خسرتها ستعود يومًا ما لتكون أنت الفائز الحقيقي...
التعليقات