في التاسع من نوفمبر عقد الكاتب الكبير الأستاذ سعد الدين وهبة رئيس مهرجان القاهرة السينمائي الدولي آخر مؤتمر صحفي في حياته وقبل 48 ساعة من رحيله في الخامسة والنصف مساء الثلاثاء الموافق 11 نوفمبر 1997 بفندق شيراتون الجزيرة سوفتيل الآن.
كان المؤتمر لإعلان الترتيبات النهائية للمهرجان الذي عقدت دورته الحادية والعشرين بعد ذلك اليوم بأسبوعين وكان المؤتمر الأول والأخير لهذه الدورة بعد ان امضي الأشهر الثلاثة السابقة في رحلة مريرة للعلاج من مرض سرطان الرئة بين سويسرا وفرنسا.
في هذا اليوم فوجئت بالأستاذ سعد يتواصل معي صباحا ليخبرني أنني من سيقوم بإعلان تفاصيل الدورة القادمة للمهرجان (كنت وقتها أشغل منصب مدير إعلام المهرجان) وهي المرة الأولى والأخيرة التي يترك فيها لأحد أن يقوم بهذا الدور ،فقد كان رحمة الله عليه هو من يقوم بهذا الدور خلال دورات المهرجان علي مدار اثني عشرة دورة سابقة هي فترة رئاسته للمهرجان منذ الدورة العاشرة للمهرجان 1986.
وبامعان النظر في الصورة تجدني في حالة من اللاوعي والخوف فقد كان الرجل العظيم الجالس بجواري أو الذي اجلس بجواره يعاني أشد المعاناة من المرض اللعين وانه اختارني لهذه المهمة الصعبة في ذلك الظرف اللعين الذي لم أكن لأحسد عليه كنت اقرأ بسرعة وتوتر وعندما شعر بذلك طلب من الهدوء.
كانت القاعة مليئة بعشرات الكتاب والسينمائيين والصحفيين الذين جاءوا يحدوهم الأمل في أن يجدوه كعادته قويا عفيا ولكنه للأسف الشديد كان في ساعاته الأخيرة حتى أن دموع الكثير من الحضور كانت تسبق شفقتهم علي العملاق الذي هزمه المرض اللعين، وكان طائر الموت يحلق فوق الرؤوس، والصمت الرهيب يخيم علي الجميع، خوفا من قادم لن يتأخر كثيرا، كانت علامات الموت ترسم ملامحها فوق المكان والزمان والحضور .
لم يستغرق المؤتمر الذي بدأ قبل موعده بخمسة دقائق أكثر من عشرة دقائق كانت تمر كأنها دهر وكانت انفاسي تتلاحق وكأنني اعد انفاسي الأخيرة حتى أن المؤتمر انتهي قبل أن يصل عدد كبير من المدعوين الذين جاءوا متأخرين يحدوهم الأمل في أن يكون هذا المؤتمر بداية عودةالفارس الي محرابه وميدانه لكنها كانت لحظات وداع وحفل تأبين لرجل اعطي وطنه الكثير حيث رحل الكاتب الكبير بعد 48 ساعة فقط من تلك اللحظة لتخرج جنازته من مسجد عمر مكرم بعد صلاة ظهر الأربعاء الي مقابر البساتين تشيعها أهازيج وحداء شباب مصر
(سعد وهبة يا بن النيل مصر بتبكي طول الليل).
رحم الله الكاتب الكبير وأسكنه بفيض رحمته فسيح جناته مع الأنبياء والشهداء والصديقين والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
الأمير أباظة وسعد الدين وهبة
التعليقات