تستكمل الأم (مصر) بلغة بسيطة تعبر عن بعض مشاعرها، تستكمل حديثها عن ابنها البطل الشهيد إبراهيم عبد التواب قائد ملحمة كبريت.. تقول:
فى صباح يوم 25 أكتوبر دفع بدورية مسلحة مشيت بحذاء الطريق الساحلى للبحيرات المرة ، ودا بهدف تحقيق اتصال بقيادة الجيش الثالث وبعد مسيرة 7 كيلومترات حصل اللى طلعوا عشانه وقدروا يتصلوا بقيادات الجيش هناك وتم تحديد المطالب من المهمات والتعيينات، ومن اللحظة دي بدأ يطلع عدة دوريات من رجال موقع كبريت ويمشوا في الطريق دا، وكانت الدوريات بتشيل نقالات فوقها الجرحى لإخلائهم للجيش الثالث وفى العودة كانت النقالات بترجع محملة بالأدوية وجرادل المياه، لغاية يوم 3 نوفمبر 1973 نجحت ست دوريات في مهمتها ، وفى 3 نوفمبر دا اكتشف العدو الطريق الرفيع اللى بيربط موقع كبريت بمواقع الجيش الثالث واللى بيستخدمه أولادنا الأبطال، وهنا اتحركت قوات معادية للتمركز فى الطريق دا. وبكدا أصبح أولادنا متحاصرين من جميع الجهات فيما عدا ظهر الموقع المحدود بميناء البحيرات المرة .
هل استسلم ولادنا؟
أبدا .. إبراهيم كان بيقف وسط الجنود ويقول :إذا ضربوا طلقة نرد عليهم بعشرة"، وما كانشي بيسمح أبدا بأي تحرك للعدو على الأرض تخليهم يسيطروا على أي شبر من الأرض، فأي عربة مدرعة إسرائيلية أو دبابة أو جندي، أى حركة من جانب العدو كانت بتتقابل بإطلاق النار الفوري من الموقع.
كانت الاشتباكات لا تهدأ، اشتباكات يومية بالأسلحة الصغيرة والمدفعية الثقيلة، اشتباكات على مستوى واسع خاصة عند حدوث عمليات إمداد الموقع، كان إبراهيم عبد التواب بيدفع بكمائن مسلحة للمياه لحماية قوارب التعيين الآتية من الجيش الثالث، ينزل الرجال إلى مياه البحيرات المرة فى أقسى أيام الشتاء ينتظروا بالساعات مجىء القوارب وفى نفس الوقت كانت مدفعية الجيش الثالث تتأهب كلها للاشتباك مع العدو فى حالة اكتشافه قوارب الإمدادات فى القناة...
أيه البطولات دي يا ولادي؟! أيه الروعة دي ..!!
تخيلوا معايا قوات على الأرض استردت منطقة مهمة وبتحميها بأرواحها.. شباب تانيين زي الورد بيشيلوا الامدادات وينقلوها في قوارب في البحيرات .. وأبطال مدفعية الجيش التالت مستعدة للاشتباك مع العدو لو هجم على قوارب الامدادات.. يا سلام عليكم يا أبطال وانتوا بتصنعوا المعجزات عشان كل شبر من أرضكم .. أرض مصر.
كان إبراهيم عبد التواب بيستخدم الأسلحة الإسرائيلية والقذائف الإسرائيلية اللى كانت موجودة فى منطقة كبريت ويضرب بها مواقع العدو المحيطة. ودا أدى لاستفزاز العدو وإحداث شرخ فى روحه المعنوية، فكانت اسرائيل عاوزة تقتحم الموقع دا بالذات.. لكنها عجزت عسكرياً أمام إصرار الأبطال بقيادة إبراهيم عبد التواب.
وبالرغم من الظروف القاسية، عرضت إسرائيل إخلاء الموقع بدون أسلحة، يعني ولادنا يخرجوا ويسيبوا الموقع وما ياخدوش أسلحة معاهم..!!
يا سلام؟!
طبعا رفض إبراهيم عبد التواب ورفضت قيادة القوات المصرية ، وعرضت إسرائيل إنه يتم تسلم الموقع مع خروج جميع أفراده بكامل أسلحتهم وتسهيل انتقالهم إلى الجيش الثالث، المهم يسيبوا نقطة كبريت..
وبرضه رفض البطل إبراهيم عبد التواب ورفضت قيادة القوات المصرية .
وفى يوم 17 نوفمبر .. يعني بعد 41 يوم عمليات واشتباكات وصلت إشارة من هيئة الأمم المتحدة بتقول إن طائرة إسرائيلية ها توصل الساعة 11 وعليها أفراد من الصليب الأحمر لإخلاء الجرحى الموجودين بموقع كبريت، قال يعني هما قلبهم على الجرحى بتوعنا..!! ورفض إبراهيم عبد التواب مجيء الطيارة .. وقال لهم "لو الطيارة الإسرائيلية دي نزلت بالقرب من الموقع هاضربها بالنار".
والجرحى اللى كانوا عاوزين يجيوا ينقلوهم .. رفضوا أصلا مغادرة الموقع، وفضَّلوا البقاء والعلاج بإمكانيات الموقع الذاتية. بالرغم من إن الطيران الإسرائيلي كان دمر النقطة الطبية بالكامل، والطبيب الوحيد بالموقع د. محمد عبد الجواد مصاب فى رأسه، وعالج نفسه بمساعدة عسكري، و رفض يغادر الموقع تحت أى ظرف واستمر يعالج المصابين وهو نفسه مصاب..
أيه الجمال دا يا ولادي ..!!
كانت شخصية إبراهيم عبد التواب شخصية بطل مصري حقيقي.. عارف كل صغيرة وكبيرة في الموقع. بيأثر في الكل بشخصيته وتواضعه وصموده، كانت المسألة بالنسبة له بتعنى إن شرف مصر يتعلق بهذه البقعة من الأرض التى ترفع العلم المصري فى قلب محيط من قوات العدو، وكان بيهتم بأدق التفاصيل على امتداد الحياة اليومية للموقع .
وفى الحصار الطويل دا كان اليوم بيبدأ سته صباحا، يكلف إبراهيم بعض الجنود بالاستعدادات الخاصة بتقطير المياه، وتقطير الميه: يعني يطلعوا ميه عذبه من الميه المالحة.. عشان يشربوها. ومن الساعة تمانيه لتسعه يتم تجهيز وجبة الإفطار، بعدها يبدأ إبراهيم في المرور على كل مقاتل فى الموقع..
باحكي لكم عن بطولات ولادي وكإني شايفاهم أدام عيني.. كإني عايشة وسطهم.. وسط النار.. والجوع والعطش .. شايفه نظرات عنيهم وفرحتهم باللى بيحققوه .. وهما بيحلموا بالنصر وبكره اللى بيصنعوه لولادهم .. أوعدكم هارتاح شوية وبعدين أكمل لكم آخر فصول ملحمة كبريت.. آخر فصل في قصة حياة البطل عقيد أركان حرب إبراهيم عبد التواب.
التعليقات