تُحدثنا الأم (مصر) بلغة بسيطة تعبر عن بعض مشاعرها، تحدثنا عن ابنها البطل محمد زرد، تقول:
ابني .. البطل اللى هاحكي لكم عنه النهاردة هو قاهر النقطة الحصينة 149 هو البطل محمد محمد زرد، ابن قرية تفهنا العزب مركز زفتى بمحافظة الغربية، قرية موجودة على النيل، فرع دمياط، من مواليد 31 أكتوبر 1943. وبعد حصوله على الثانوية العامة حاول الالتحاق بالكلية الحربية، لكن ما اتقبلش وقتها، فالتحق بكلية علوم جامعة أسيوط، وبعد ما خلص سنه أولى في الكلية، لقى نفسه بيفكر في الالتحاق بالسلك العسكري، جواه حلم ورغبه مسيطرين عليه بشكل كبير، وأخد قرار إنه يتقدم للكلية الحربية .. وقدم .. واتقبل .. وتفوق .. وأثبت جدارة .. وكان من أوائل الخريجين في الكلية الحربية اللى اتخرج منها في 21 فبراير 1966 وتم إلحاقه بإحدى الوحدات المصرية باليمن لمساندة الثورة اليمنية وقضى فيها سنة تقريبا ورجع من هناك بإصابتين واحدة فى الساق اليمين والإصابة التانية كانت إصابة نفسية .. بسبب حرب 5 يونيو 67 واللى حصل فيها.. ومش بس كدا.. دا اتأثر نفسيا بشكل كبير لإن إصابته في الساق كانت سبب في صدور قرار من اللجنة الطبية بإبعاده من تشكيلات القوات المسلحة وأسندت إليه مهمة التدريس بمدرسة المشاة، وفيها أدى دوره على أكمل وجه.. لكن رغبته وحلم حياته كان التواجد على الخطوط الأمامية لجبهة القتال، خصوصا إن حرب الاستنزاف شغاله، والأبطال كل يوم والتاني يقوموا بعمليات جديدة.. وقال في يوم للقائد "أنا مش مرتاح كدا أبدا يا افندم.. أنا ما اتخلقتش عشان التدريس وخلاص.. حلمي إنى أكون هناك.. ع الجبهة وسط الأبطال".
وبالإرادة، والعزيمة، والتصميم، وتمارين العلاج الطبيعي لساقه، قدم التماس بالعودة للتشكيلات.. واتقبل التماسه ورجع مرة تانيه لوحدة من وحدات المشاة التابعة للجيش الثالث الميداني. وهناك بدأت ملحمة البطل محمد زرد.
كان فيه نقطة عسكرية تحت إيد العدو.. اسمها النقطة الحصينة 149 ودي كانت مسرح لعمليات إغارة قادها البطل محمد شرف أثناء حرب الاستنزاف، وكان في كل مرة يهجم عليها كان لازم يكبدهم خسائر كتيرة جدا في المعدات والأرواح.. ويرجع ومعاه أدوات حربية من النقطة دي. وفى سنوات توقف إطلاق النار قبل 73 أعاد العدو تحصين النقطة 149 النقطة اللى اختاروا موقعها فى أنسب نقطة لعبور القوات المصرية لو حبت تعبر في يوم من الأيام داخل سيناء، فالنقطة دي كانت بتشرف على المحور الجنوبي المؤدى لراس سدر. والمحور الشرقي المتجه للممرات، والمحور الشمالي المتجه لجنوب البحيرات. ولأهمية النقطة دي قام العدو بتشييدها على تبة مرتفعة.. تبة مُطلة على الأراضي المحيطة بها لعشرات الكيلو مترات من كل اتجاه، وفى علم الحروب.. الموجود في مكان مرتفع هو الأقدر على توجيه الضربات، وتم تجهيز النقطة 149 هندسياً بشكل يحقق الأمن والوقاية للقوات اللي فيها ويكفل لها تحقيق قوة نيرانية عالية فى جميع الاتجاهات، وقام العدو بإحاطة نقطته بنطاق من الأسلاك الشائكة، والعوائق المعدنية، والشراك الخداعية لإعاقة أي محاولة للاقتحام من جانب القوات المصرية، وبشكل يسهل للقوات المدافعة اقتناص وإبادة القوات المهاجمة. وأنشأ العدو فوق النقطة برجاً للمراقبة. أما عن تسليح النقطة.. فكان بالشكل اللى البطل محمد زرد قال عنه بعد رصده "النقطة الحصينة 149 كانت مسلحة بـعدد 8 رشاش نصف بوصة، 6 مدفع مضاد للدبابات عديم الارتداد. 3 مدفع هاون عيار 81 مم . 3 مدفع هاون عيار 120 مم. مجموعة من الدبابات بأطقمها. 2 عربة صواريخ أرض/أرض متوسطة المدى. أجهزة حديثة للرؤية الليلية . أجهزة تصنت إلكترونية حتى مدى 10 كم. أجهزة اتصال وتوجيه للطائرات الحربية الاسرائيلية. كميات كبيرة من الذخائر. كميات كبيرة من قطع الغيار والمعدات . كميات كبيرة من الإمدادات الطبية. كميات كبيرة من المواد الغذائية تكفى لأكثر م شهر".
وفى يوم ستة أكتوبر 73 كلفت القيادة المصرية السرية الأولى من كتيبة الشهيد محمد زرد بتنفيذ عملية تدمير واقتحام النقطة الحصينة -149 وبدأ التنفيذ الساعة اتنين وتلت مع قصفة المدفعية المصرية المركزة . فارتقى رجال مصر من صائدي الدبابات وبمجرد تقدمها من الخلف بدأ اصطيادها فدمرت للعدو تلت دبابات وفرت الدبابات الباقية. وبأسلحة الضرب المباشر من المدفعية المصرية أمكن فتح تلت ثغرات فى الموانع الهندسية أمام النقطة، واتقدمت مجموعة الاقتحام الرئيسية فى مواجهة النقطة، لكن لما أصبحوا على بعد 300 متر منها ركز العدو أسلحته نحوها فوقف التقدم وحصل خسائر كبيرة بين القوة المهاجمة المكشوفة للعدو، وما انسحبش ابطالنا.. انتظروا لغاية الليل ما نزل وأخلوا الشهداء والجرحى، وعملوا تجهيزات دفاعية ضد طيران العدو.. وخلال الليل حاول العدو إرسال مدرعاته لدعم النقطة الحصينة 149 لكن القوات المصرية كانت له بالمرصاد ومنعته من تحقيق هدفه. ومع أول ضوء يوم 7 أكتوبر بدأ الاقتحام المصري للنقطة، لكن قصف العدو المدفعي وتدخل طيرانه منع تحقيق الاقتحام، والنقطة دي مهمة جدا لعبور باقي القوات من باقى الممرات على مختلف المحاور.. فما كان القوات المصرية إلا الاستمرار فى الحصار عن بعد..
ولم تكن الخطورة من هذا الموقع الإسرائيلي منصبة على رجال المشاة المصريين اللى مش هايقدروا يعدوا غير بعد تدمير النقطة دي، لكن خطورتها امتدت لأبعد من كدا بتدمير المعبر المصري اللي المفروض تعبر من عليه المدرعات المصرية لصد الهجوم الإسرائيلي المضاد اللي ممكن يحصل في أي لحظة.. فكل ما كان ولادنا يبنوا معبر وتيجي المدرعات تمر من عليه، تقوم قوات العدو الموجودة في النقطة 149 بتدمير المعبر باللى عليه .. ودا شكل خطر كبير على القوات المصرية اللي توغلت داخل سيناء فى انتظار مدرعاتها وأسلحتها الثقيلة فى القطاع دا من جبهة القتال، وفى اليوم الثالث من المعركة صدرت التعليمات للقوات المهاجمة بتعديل الهجوم من الأجناب والخلف، واتقدمت القوات المصرية وسط دفاع عنيف من العدو استمر عدة ساعات وضح خلالها استماتة العدو على التمسك بالموقع دا .. لغاية ما جت لحظة التضحية، لحظة العطاء والفداء لبطلنا محمد زرد اللى قال "الأمر مش هايتحل غير بعملية استشهادية يا فندم ضد النقطة الحصينة دي، إحنا كل ساعة بنخسر خساير كتير بسببها".
ودرست القيادة طلبة.. وتم رفض الطلب للحفاظ على أرواح أولادنا.. لكن محمد زرد ألح تاني وتالت، وقبلت القيادة .. وكانت خطته إنه يعدي المسافة المكشوفة بينه وبين دشمة نيران العدو وكانت حوالى مائة متر، يعدي نصفها زحف و الباقي جري بأقصى سرعة عنده .. ويوصل وعنصر المفاجأة بيصعق العدو .. ويوصل محمد ويحط قنابله اليدوية فى المزغل.. وبالفعل بدأ محمد زرد التنفيذ .. نزع تلاتة من فتائل قنابله اليدوية، وقبض على أذرع التفجير وبكل ما أوتى من قوة أخذ فى الزحف فى اتجاه الدشمة الحصينة، لم يفزعه أو يرهبه أصوات طلقات الرصاص اللي كانت بتصفر جنبه يمين وشمال، ولا الأتربة والرمال اللى الطلقات كانت بتصنعها حواليه، وبعد ما زحف نصف المسافة وقف زي النمر الجسور .. جري بكل قوته ناحية مزغل رشاشات العدو، وما وقفوش سيل الرصاصات على جسمه، كل اللى عمله ابني البطل إنه حط إيده على بطنه وهو بيجري عشان يسد الفتحات اللى صنعتها الرصاصات في بطنه .. و وصل البطل للمزغل ورمى جواه القنابل اليدوية، ودا طبعا سبب شلل للعدو .. ورمى محمد جسمه كله فوق المزغل والتفت لزمايله وشاور لهم بإيده ونادي بصوت بطل بيصارع الموت "عدوا يا أبطال .. عدوا وكملوا اقتحام الموقع .. بسرعة".
وبالفعل انطلق زملاء البطل يتقدمهم الملازم أول سمير حسن ليقتحموا الموقع وتم تدمير 8 دبابات . وتدمير عربة نصف جنزير. عدد 31 قتيل 21 أسير. تم الاستيلاء على كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر والمعدات والتعينات بلغت ما حمولته 20 سيارة لورى تم نقلها إلى الخطوط الخلفية غرب القناة. وعلى وجه السرعة تم إخلاء البطل محمد زرد للخلف، وفى مستشفى السويس .. مات البطل محمد زرد يوم 9 أكتوبر .. نال الشهادة اللى كان بيحلم بيها وفي شهر فبراير عام 1974 تم منح اسم الشهيد محمد زرد وسام نجمة سيناء من الطبقة الأولى . وفى سنة 1994 اتخرج الظابط الشاب خالد محمد محمد زرد ابن الشهيد محمد زرد من الكلية الفنية العسكرية .. وأجيال من الأبطال بتسلم بعضها .. عشان كل شبر في أرضي غالي قوي .. كل شبر في مصر غالي قوي .. ودا اللى يعرفه كويس ولادي من أبطال القوات المسلحة.
التعليقات