مع تزايد الآثار السلبية لتغير المناخ ومواجهة العالم لارتفاع مستويات البحار، وأنماط الطقس المتقلبة، وانخفاض التنوع البيولوجي، من الواضح أننا نواجه نقطة تحول قد تقودنا نحو مستقبل غامض، مستقبل يُشير أننا لا نسير في الاتجاه الصحيح، لكن يبقى هناك شعاع أمل يتمثل في الاستدامة، والتي تُعد طوق النجاة الحقيقي للعالم، من هول ما نحن مُقبلين عليه، ومع توقعات بلوغ عدد سكان العالم ل 9.7 مليار نسمة بحلول عام 2050، مما سيتطلب موارد من كوكبين لدعم نمط حياتنا وفي ظل أنماطنا الاستهلاكية الحالية. إن نموذج التنمية المستدامة لا يضمن فقط النمو الاقتصادي، ولكنه يخلق أيضًا أساسًا للعدالة الاجتماعية، وحماية البيئة.
فهم الاستدامة
لكن يبقى السؤال الهام قبل أن نخوض في قضية التغير المناخي وما يترتب عليها من آثار، وهو ما معنى "الاستدامة"؟ فقد فاجأني أن البعض لا يعرف المعنى الحقيقي للاستدامة؟، والتي في جوهرها تعني تلبية احتياجاتنا دون التأثير على قدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتهم في المستقبل. وهي تنطوي على إحداث نوع من التوازن بين البيئة والقضايا الاجتماعية والاقتصادية، وغالبًا ما يُشار إليها باسم الأعمدة الثلاثة للاستدامة.
على عكس الاعتقاد الشائع، بأن التنمية المستدامة تؤثر سلباً على اقتصاديات العالم، وهذا يتنافى مع الواقع، فالاستدامة تدعم النمو الاقتصادي، وهذا ما أكدته وأشارت إليه منظمة العمل الدولية إلى أن الانتقال إلى اقتصاد مستدام قد يخلق 24 مليون وظيفة جديدة بحلول عام 2030.
وفي نفس الإطار أيضاً تعمل المبادرات المستدامة جنبًا إلى جنب مع الجهود المبذولة للحد من الفقر، ومعالجة عدم المساواة، وتعزيز حقوق الإنسان. مثالًا على ذلك هو الشبكات الصغيرة المدعومة بالطاقة الشمسية في الهند، والتي أضاءت القرى النائية، وبالتالي رفعت نوعية الحياة للملايين.
تغير المناخ ليس مجرد تهديد وشيك - إنه تحدي مستمر، ويُكبد الاقتصاد العالمي ما يقرب من 12 تريليون دولار سنويًا بحلول عام 2050، وفقًا للبنك الدولي. ومع ذلك، مع التحدي تأتي الفرصة. تخيل سوق الطاقة المتجددة العالمي تصل قيمته إلى 2.6 تريليون دولار بحلول عام 2030، وسوق السيارات الكهربائية تمثل 33٪ من مبيعات السيارات العالمية بحلول عام 2040. فإن الانتقال إلى الطاقة المتجددة لا يضمن فقط هواءً أنقى، ولكنه يوفر أيضًا صحة عامة أفضل، ويحمي الملايين من الوفيات التي يُسببها التلوث الناجم عن الوقود الأحفوري سنويًا.
الإمارات رائدة
الإمارات ليست مجرد مراقبة؛ بل قائدة، ورائدة. حيث تحتل المركز الثامن والعشرون عالميًا في مؤشر الابتكار العالمي لعام 2022، وتبرز الإمارات التزامها بالابتكار والتنمية المستدامة، ووفقًا للبيانات المستقاة من أعضاء اتحاد البنوك الإماراتي، فإن ستة بنوك إماراتية كبرى خصصوا مجتمعين أكثر من 190 مليار درهم إماراتي (ما يقارب 51.8 مليار دولار أمريكي) في التمويل الأخضر لمشروعات متنوعة في مجال الطاقة المتجددة وتحويل النفايات إلى طاقة، وتكنولوجيا الطاقة الخضراء وذلك نهاية العام الماضي 2022.
هذا إضافة إلى عزم الإمارات استثمار ما يصل إلى 200 مليار درهم إماراتي (54 مليار دولار أمريكي) بحلول عام 2030 لضمان تلبية الطلب على الطاقة مع الحفاظ على النمو الاقتصادي. ولن أكون مُبالغة إذا قلت إن الإمارات تقود العالم نحو الاستدامة، وتُسخر كل قدراتها من أجل تعزيز مستقبل الاقتصاد الأخضر.
دور الفرد
بينما تركز المناقشات حول الاستدامة غالبًا على السياسات الحكومية، ومسؤوليات الشركات، والتقدم التكنولوجي، تلعب الأفعال الفردية أيضاً دورًا محوريًا بنفس القدر. عبر الاستهلاك الواعي ودعم العلامات التجارية المستدامة والمشاركة المجتمعية، فإن التزام كل شخص بأسلوب حياة مستدام يُساهم ويؤثر بعيداً عن حجم الدور الذي يلعبه كل فرد في المجتمع.
إن التوجه نحو مستقبل مستدام للمنطقة والعالم ليس مجرد فكرة، بل دور أخلاقي، ورؤية ضرورية تتطلب جهودًا مشتركة من الدول، والمجتمعات، والأفراد على حد سواء. حيث يقف العالم على حافة الهاوية من الضرر البيئي.
إن الاستدامة ليست مجرد مصطلحٍ يتردد، بل هو الأساس الذي يجب أن تُبنى عليه استراتيجيات النمو والتقدم للأمم في القرون القادمة. أمام التحديات البيئية الكبرى، تبرز أهمية التفكير بعمق وتحمل المسؤولية لتأمين مستقبل يعانق فيه الإنسان الطبيعة، دون أن يهددها أو يُهدد بها. الإمارات، كما ذكرت، تقدم نموذجًا مُلهمًا في كيفية دمج الرؤية الاستراتيجية مع الحلول المستدامة. فلنستلهم من هذا التقدم، ونجعل الاستدامة ركيزة أساسية في خططنا وأحلامنا لمستقبل أفضل وأكثر أماناً للأجيال القادمة.
التعليقات