من هم سكان كوكب الأرض؟هم الحيوانات، والطيور، والنباتات، والكائنات الدقيقة ويسكنه الإنسان أيضا. وربما نكون نحن البشر لسنا أغلبية سكانه إلا أننا المتحكمين فيه بفضل ما حبانا الله به من عقل وحكمة وقدرة على التصرف. ونعيش جميعا على نفس الكوكب ونتشارك في أرضه ومائه وسمائه. ربما نختلف في الأجناس، واللغات وملامح وجوهنا ومواقعنا الجغرافية إلا أننا نمتلك نفس الصفات الحيوية والتشريحية. نأكل ونشرب ونتكاثر بنفس الطريقة ونحيا في جماعات وعائلات ونشكل مجتمعات من الأهل والأصحاب والجيران. بعضنا من أمم فقيرة وبعضنا الآخر من أمم غنية وذات نفوذ وسطوة. يستعبد بعضنا بعضا فيخضع البعض لقهر غيره بينما تهددنا جميها الظواهر الطبيعية القاهرة كالزلازل والبراكين والفيضانات. وفي مثل هذه الظروف نتكاتف جميعا من أجل البقاء.
ونحن بشر وبنو الإنسان وكرمنا الله عز وجل عن الحيوانات بالقدرة على التفكير بعقولنا والإحساس بقلوبنا. إذا فالإنسانية هي ما يميزنا عن غيرنا من الكائنات الحية. تعرَّف (الإنسانية) في المعاجم العربية بأنها كل ما اختص به البشر من محامد. وفي المعجم الوجيز هي عكس البهيمية. وهي جملة الصفات التي تميز الإنسان. والإنسانية هي أن تمتلك قلبا عطوفا يتأثر بألم غيرك سواء كان إنسانا أم حيوانا.
تمتليء حياتنا بالاختبارات وتضع الكثير من الأحداث إنسانيتنا على المحك كاليوم الذي استيقظنا فيه على صرخة شعب سلبت أرضه وبيوته ووقع ضحية الأسر والتهجير والظلم على مدار خمس وسبعين عاما وذاق هذا الشعب الباسل كل صنوف الحرمان والتعذيب والاحتلال والقهر. ويوم أن قرر الصراخ عاليا اتهمه جاره بأن صراخه قد أيقظ أطفاله النائمين وأقض مضجعهم الهانيء فحق عليه في المقابل أن يحرم أطفاله لا من النوم بل من الحياة برمتها! وقف العالم صامتا يشاهد مزاعم الدفاع عن النفس ممثلة في قتل أطفال ورضع ونساء وشيوخ وهدم المنازل فوق رؤوسهم بلا هوادة. قطعت الاتصالات على مرمى ومسمع من العالم وهو يقف متفرجا بل ومنقسما بين أن يبكي على أشلاء الأطفال الأبرياء وبين أن يصفق للمعتدي ويعطيه الضوء الأخضر ليستمر في التنكيل غير المتكافيء بدعوى الدفاع عن النفس!
انقسمت الإنسانية بين مؤيد ومعارض وكشفت عن وجه قبيح ما كنا نزعم أنه موجود. ميزان القوة ليس في صالح الضعيف الذي لا يملك سوى الصراخ والركل أمام عنف غير مسبوق وخطة ممنهجة للتطهير العرقي والقضاء التام على أهل شريط صغير كانوا يوما أسياد الخريطة وملاكها. تلام الضحية التي صبرت واحتملت القهر لسنوات وسنوات على صرخة رفض أطلقها رجالها في وجه رجال آخرين لا في وجه أطفال أو نساء عزل.
اكتظت وسائل الإعلام بصور أشلاء الأطفال وصرخاتهم في مشاهد لم نر لها نظيرا على الجانب الآخر لكن لا حياة للإنسانية الصماء. في مقابل صور الدمار ونحيب الأمهات نرى امرأة عجوز أسيرة تصافح من أسروها وتودعهم بود وامتنان يوم إطلاق سراحها فلم تر منهم إلا خيرا. هذا الشعب المظلوم تصرف بأخلاقيات الحرب التي وصاه بها نبيه الكريم عليه الصلاة والسلام فلم يقتل امرأة ولا طفلا ولا شيخا ولم يعتد لمجرد العدوان.
التفت الشعوب حول شاشات التواصل وانقسم سكان كوكب الأرض بل أبناء الشعب الواحد بين متعاطف ومتحامل. سقطت أقنعة من استبدلوا البلاستيك بالورق حرصا على حياة الكائنات االبحرية وحفاظا على البيئة من البلاستيك الذي لا يتحلل. ماذا عن الرضع الذين قتلوا حتى قبل أن يستخدموا اسماءهم؟! الإنسانية يجب ألا تتجزأ ولا أن تكون انتقائية. الطفل طفل أيا كان جنسه والرضيع رضيع أيا كان لونه. أنت إنسان إذا فلتستخدم صوتك لإيقاف الظلم والعدوان. أنت إنسان فلتحكم بالعدل بين من يصرخ ليراه العالم وبين من يقتل ليخلي الأرض ومن عليها. إنسانيتك تحتم عليك رفض قصف المستشفيات ودور العبادة والمدارس التي تأوي من لا مأوى له. إنسانيتك تلزمك بقول الحق لا تزييف الحقائق وتلزمك بالتعاطف مع طفل يلقن أخاه الشهادة في مشهد أبكى نصف العالم بينما وقف النصف الآخر متفرجا!
التعليقات