من المفترض أن يعيش البشر في سلام يتبادلون المصالح ويتعاونون على هذا الكوكب الذي يتشاركون فيه. لكن دوما ما يحدث ما يعكر صفو هذا التناغم والسلام ويبدأ طرف في الاعتداء على الآخر وهناك تحدث الكارثة. تتوقف الحياة ويبدأ الهجوم. في بعض الأحيان يكون هناك سبب شرعي مقبول يستدعي شن الحرب وفي بعضها الآخر يكون مجرد تسلط وعدوان على حق الآخر الذي يضطر بدوره للدفاع عن حقوقه ومكتسباته بل وعن وجوده في المقام الأول. حين تفشل المفاوضات وتقطع كل سبل التراجع والتفاهم السلمي تدق طبول الحرب وتصبح خيارا لا رجعة فيه.
لكن هل يتم اتخاذ مثل هذا القرار المصيري بين عشية وضحاها أم أن هناك من الملابسات والظروف ما جعلته قرارا حتميا؟! عندما تسد كل الطرق ويصر طرف على التصعيد والظلم والطغيان يهب الآخر لحماية أرضه وروحه. ساعتها يحين وقت هبَّة الدفاع عن حريته في تقرير مصيره ولا يتأتى ذلك إلا بالوسائل العسكرية ممثلة في الحرب.
تعلن الحرب وتستبدل الكلمات الدبلوماسية المنمقة والوعود الزائفة بهجمات موجعة. وليس هذا بغريب ولا بعيد على البشرية التي كافحت منذ فجر التاريخ وكان البقاء فيها للأقوى وللأكثر إيمانا بموقفه. وفي الإسلام يأتي خيار الحرب ثانيا بعد فشل المفاوضات السلمية فهي ليست رغبة شريرة متأصلة في النفوس للهجوم على الآخر وفرض السيطرة عليه. شرعت الحرب لنشر العدل والمساواة ورفع الظلم عن الناس لا لتدميرهم.
منذ نعومة أظفارنا ونحن نتعلم في مدارسنا في حصص الدراسات الاجتماعية وحصص التربية الإسلامية أن هناك أخلاقيات للحرب وأنها لم تشرع دون ضوابط وقيود على المسلمين جميعا الالتزام بها. أمرنا الله عز وجل( قاتلوا الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين.) لقمان 8. علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما علينا فعله في كل نواحي حياتنا اليومية منذ أن نستيقظ وحتى ننام وليست الحرب بمعزل عن هذه التعاليم. وصى عليه الصلاة والسلام رجاله بتجنبها في المقام الأول وإن لم يكن هناك بد فأمرهم بألا يقتلوا شيخا ولا امرأة ولا طفلا ولا راهبا متعبدا في صومعته. لا تحرقوا شجرة ولا تبقروا بطون الحيوانات. لا تفسدوا في الأرض. لا تمثلوا بجثث أعدائكم واحسنوا إلى أسراكم. للخصومة شرف والإنسانية لا تتعارض مع أخذ الحق بالقوة.
الحرب ليست رغبة عارمة في القضاء على الآخر دون أي اعتبارات بل هي من أجل غد أفضل وحياة أكرم. الحرب خيار مر لذلك فلابد من تنظيمها ووضع القواعد الإنسانية لها. كلنا نكرهها فهي فعل شنيع يدمر الحياة وييتم الأطفال ويدمر سنوات من الحضارة ويترك بشرا معاقين ومشوهين ومفجوعين. هي أسوأ كوابيس البشر ففي لمح البشر يتغير الحال ويصبح الحاضر ماضيا والآمن مطاردا لذلك فلا يمكن أن تترك دون ضوابط لتتحكم فيها رغبة متوحشة طاغية.
لن تتوقف الخلافات بين بني آدم ولن تنتهي الصراعات والانتهاكات وهنا تظهر الحاجة الملحة لاحترام القوانين الدولية وأخلاقيات الحرب والتناحر. من المستحيل حذف كلمة الحرب من معاجمنا لكن من الممكن حذف كلمات كالوحشية والقسوة والفُجر في الخصومة. إن كان لابد من الحرب فلنفعلها بآدمية لا بحيوانية!
التعليقات