أيام مرت أبى فيها القلم أن يكتب... أيام عدة اعتبرت يدي الكتابة درب من دروب الخيانة الإنسانية لأنها أقل بكثير مما يحمله القلب من الألم والأوجاع... أقل بكثير من دماء تسفك وأمهات ثكلى لصغار لم تعرف معنى الصواريخ والحروب بعد. لدموع أطفال تبحث وسط أجساد تهاوت أمامهم عن آبائهم وأمهاتهم، وهم لم يدركوا بعد ما هو الموت وما معنى الذهاب بلا عودة. خيانة لنظرة رضيع أراد دفئ حضن ليبكي فلم يجده...
لعبرات رجال ونساء كبرت في أعينهم الحروب والدمار فعاشوا في انتظار الموت كل جفنة عين. رافعي راية لا حياة دون وطن.
يقال دائما "من رحم المعاناة يولد الأمل"، لكن اليوم نرى أنه من بؤس الموت يولد الرغبة في الانتقام. يختلط في قلبي مشاعر متنوعة من الغضب الممزوج بالدم. هناك صمت ثقيل يسيطر على الجميع، أشعر به داخل نفسي وداخل كل منا. إنه صمت مظلم أسود، صمت يشتعل بنيران الرغبة في الانتقام التي ولدت اليوم في داخلنا وداخل كل من يحلم بالأمان والسكينة والوطن. لحظات سيحفرها التاريخ يلتحف بها كل حر، ويتشدق بها كل زنديق.
اليوم هو بداية النهاية.
تخنقني كل الكلمات لتختفي في حلقي، باستثناء ثلاث: "صمت، حداد، ثأر."
أرواحنا تتوجه نحو مسجدنا الذي يضيء الظلام بقبته التي تشبه نصف الشمس، هنا لم أجد مجال للصمت. لأجد في الصمت الآن خيانة، خيانة للنفس والقيم والإنسانية، وخيانة لله تعالى.
اليوم، في غزة، تجدد المعركة التي تؤدي إلى مأساة أطفال فلسطين. ولكن في يوم قريب، ستكون المعركة من أجل التحرر من الظلم والطغيان. قد لا تراها أعيننا، ولكن الأجيال القادمة سترى آثار صمتنا.
أنهض لنطالب بالعدالة ولا تكتفي بالصمت. حتى لو بمجرد الكلمات... فلا سيف املك ولا سلاح لي طاقه لحمله... ولكني املك قلب ينتفض، يبكي دمًا، ويصرخ احتراقًا...
ستعود الارض يومًا ما... وسيعود المسجد وعدًا حق لا مجال ابدًا لنكرانه... وستعود الديار والديَّار... ستعود الطفولة تلهو مع أغصان الزيتون... وسيعود القلب مكانه ينعم بالهدوء...
التعليقات