من منا لا يواجه تحيات في حياته صغرت أم كبرت. نولد ونكبر وترتسم في مخيلتنا حياة وردية وتصور مثالي عن تفاصيل نود الحصول عليها وآمال ننتظر أن تتحقق. وتمر الأيام، وعلى الواقع الجديد، نفاجأ بأن الرياح لم تأتِ بما تشتهي سفننا. أخفق من أراد النجاح وحزن من تمنى السعادة ومن حلم بالمال والبنون انتهى به الأمر وحيدا فقيرا معدما ومن أراد الشهرة يوما تلفت حوله ليجد نفسه مغمورا مجهولا لا يسمع له ركزا. وحينها ينقسم الناس قسمين: قسم يستكين ويقبل بظروفه وما آل إليه حاله وقسم يأبى إلا تغيير الواقع قدر استطاعته. هناك بلا شك أقدار لا نملك منها فكاكا ولا نستطيع ردها لكننا على الأقل نستطيع أن نطوعها لنستخرج منها أجمل ما فيها و لربما وجدنا بين طياتها ما لم نفكر يوما في وجوده. وعلى الصعيد الآخر من الحياة هناك أحوال يمكن تغييرها بالفعل لا القول.
هب أن شخصا يعاني من سمنة مفرطة أمامه حلان لا ثالث لهما: إما أن يستسلم وإما أن يعقد العزم على التخلص من أثقاله. تحليل المشكلة أولا هو أهم ما يمكنه القيام به فيعرف إن كانت سمنته بفرط عوامل وراثية أم نظام معيشة وغذاء غير صحي. وبعدها عليه أن يعقد النية على التغيير حتى ولو كانت الأمور خاصة بالجينات التي توارثتها الأجيال ولا حيلة له فيها فهناك وسيلة حتمية حتى ولو استغرقت وقتا أطول من غيره. مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة كما يقولون. كل ما عليه فعله هو اتخاذ قرار صادق ومقاومة المغريات من أجل هدف سامٍ وصحة أفضل. وشخص غيره لم ينل حظا وافرا من التعليم أمامه طريق الاستمرار في الجهل والاكتفاء بالحد الأدنى من كل شيء أو عقد العزم على التعلم مهما كبر سنه. العزيمة والنية الصادقة هما مفتاح التغيير. البحث عن العلم والسعي نحو المعرفة وتوسيع المدارك والآفاق لا يعرفان سنا ولا زمنا. اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد وصية نبوية شريفة صالحة لكل زمان ومكان. أن تكون أو لا تكون هو اختيارك أنت فقط. أنت ربان السفينة.
ومن يذق الفشل والضعف وتتكالب عليه صنوف القهر عاما بعد عام إما أن يركن ويفقد الأمل في التغيير وإما أن يلملم شتات نفسه ويأخذ نفسا عميقا وينظر للأمام بتحدٍ وعزيمة. عندما يقرر أن يتحرك حتى ولو بخطى حثيثة فقد أحسن صنعا فعندما تزرع بذرة لا تجد ثمرتها في اليوم التالي فهناك بعض أنواع البذور تنمو بعد سنين طوال. طالما مكانها في الأرض محفوظ وهناك من يتعهدها بالرعاية فلا خوف عليها بالصبر والإصرار ستؤتي أكلها. من يتعجل النتيجة ينتهي به الحال بما لا يرضيه. ربما مهمتك هي وضع البذرة فقط وغيرك سيأتي لجني ثمارها لاحقا. وقديما قالوا إن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى. اسعَ وابذل أقصى ما عندك ولا تلتفت لآراء الناس طالما امتلكت اليقين بأنك قادر وأن الله لن يضيع جهدك. حسابات البشر تخيب لكن عند الله حسابات أخرى لا ندركها.
لا تسير الحياة رغما عنا فلدينا إرادة وعزيمة لا يمكن إغفالهما. الإرادة هي الوقود الذي يحرك محرك العزيمة. ما الذي يميز شخصا عن غيره عندما يتعرض الاثنان لنفس المأزق؟ هناك من يستكين ويقف حائرا وهناك من يفكر جدية كيف يخرج من المأزق عازما على عدم الاستسلام وعلى المحاولة لآخر رمق. من يعلق فشله على الظروف ويتهم كل ما حوله ومن حوله بأنهم السبب في مأساته فلا خير يرجى منه. هذا شخص قد عقد العزم على الرضا بالدونية وبالحد الأدنى من الحياة الكريمة. لكن من يضع النجاح هدفا نصب عينيه ويقرر تطويع الظروف ليستخرج منها أحلى ما فيها فستفاجئه بأشياء لم تكن في حسبانه وبنتائج ستبهره بما ستقدمه من أشياء لم يتوقعها فقط لأنه أحسن التصرف وعقد العزم على المضي قدما. هناك معادلة مفقودة دوما مهما اعتقدنا أننا أصحاب الحل والعقد وهي اليقين في التوفيق الإلهي وبأن الله عز وجل إذا وعد أوفى ولكن في وقت يحدده هو وفقا لتقديره جل وعلا لا وفقا لما نطلبه نحن. ربما علينا أولا السعي والعمل والتعلم واكتساب المهارات والتغيير من أجل الأفضل في المقام الأول. باليقين تقصر المسافات وتهون المشقة. باليقين نستمر مهما عصفت بنا الرياح.
لا تيأس. حلل الموقف وفكر في حلول وابحث عن إجابة. استعن بالله واستشر أصحاب الخبرة. ثق في قدراتك وتعلم مهارات جديدة. لا تلتفت لدعوات التثبيط والإحباط. اجعل الإيجابية شعارك. (يمكنك أن تتعثر في الطريق لكن مهمتك أن تحول عثرتك لوثبة قوية تعوض بها ما فاتك وتدفعك للأمام بقوة وثبات). إذا صدق العزم وضح السبيل فكل ما عليك هو الصدق في اختيارك وستذلل لك الصعاب وفي النهاية لا يصح إلا الصحيح. لا تتحجج بظروف ولا إمكانيات ولا تتعجل النتائج ولا تفقد ثباتك ولا إيمانك وتذكر قول الشاعر الهندي طاغور (دموعك التي تذرفها لأن الشمس قد غابت عن حياتك هي التي ستحجب عنك رؤية النجوم).
التعليقات