أمن أمنا فهو آمن. الأمان هو الاطمئنان وعدم الخوف. وعندما تأمن لشخص فأنت لا تخشاه بل بالعكس تمنحه ثقتك الكاملة ومن لا يأمن جاره بوائقه أي شروره لا يدخل الجنة وقد ذكر ثلاث مرات في القرآن الكريم فالأمانة عكس الخيانة (فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته) والأمن يقابله الخوف(ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا)، ( وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا). تتعدد معاني الأمان ومشتقاته ويبقى هو الهدف الأسمى والمطلب الأوحد لكل إنسان. فبدونه تتوتر الحياة وتصاب بالشلل فيعجز كل شخص عن الوجود برمته.
إذا خيرنا يوما بين نعم الله التي لا تعد ولا تحصى وكان علينا اختيار إحداهما فقط لا غير فما هي أولوياتنا؟ هل ستتشابه اختيارات البشر أم أن لكل مطلبا مختلفا؟! حتما سيكون من بيننا من يختار المال وغيره سيفضل العلم وستكتفى هذه بنعمة الصحة بينما ستطلب أختها من الله أن يرزقها بالولد الصالح. لعل من بيننا من سيعجز عن الاختيار وسيتردد فهو في حاجة لأكثر من مطلب لكن كم واحد منا سيفضل نعمة الأمان على ما سواها من نعم! الأمان ولا شيء غير الأمان.
الأمان للطفل في رؤية وجه أبويه. يبكي ويجول بصره ملتاعا ثم يبصر وجه أمه أو أبيه فيهدأ ويبتسم ويمد ذراعيه ملتمسا حضنا آمنا. لقد رأى مصدره الأوحد للطمأنينة يقترب منه وكفى. والأمان للأم في بيت يأويها هي وأطفالها وقوت تضعه في أفواههم الجائعة. ولرب البيت هو عدم الخوف على من يعول. والسكينة نعمة عظيمة؛ ربما لا نراها لكن افتقادها يحيل الحياة إلى جحيم ويصيبها بالشلل.
(من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه فقد حيزت له الدنيا بحذافيرها) تتعدد مطالب البشر وتتباين من شخص إلى آخر. لكل رغباته وأهوائه وكما يختلفون فيما بينهم تختلف معهم مطالبهم وآمالهم. ما يأتي على رأس قائمة أولويات أحدهم قد لا يهم غيره وما يعده شخص أهم مراده هو آخر هم لغيره. من بين كل النعم وكل مباهج الحياة يذكرنا الحديث الشريف بأساسيات ثلاث هي محور الرضا والسعادة: الأمان والصحة وقوت اليوم؛ من يملكهم يملك الدنيا بكل ما فيها. على رأس النعم هو الأمان فبغيره تصاب الحياة بالاضطراب وتعصف بها الظنون ويتكالب عليها القلق فيشوهها وينزع عنها غايتها.
ربما تملك مالا لا حصر له لكنك تضع رأسك على وسادتك فيجافيك النوم. تعصف بك الهواجس وتؤرق مضجعك فلا يصرفها عنك حارس ولا يجلبها لك خادم. الأمان لا توازيه كنوز الدنيا فهو إحساس داخلي بالرضا عن النفس أولا وعدم الخوف من الآخرين ثانيا. من يتجنب الظلم والقسوة ويؤدي حقوق العباد فلا يلعنه لاعن ولا يكون اسما مكررا في دعوة مظلوم فقد ملك الأمان وأغمض جفنيه في سلام. ومن يغلق باب بيته فلا يخاف ولا يشقى فهو آمن. لا يرهبه شيء ولا يروعه شخص فهو في مأمن من الشرور والضرر. لكن أن نفسد حياة بعضنا البعض وننزع الأمان والهدوء والسلام بأن يهدد بعضنا البعض أو أن نظلم بعضنا البعض دون وجه حق فذلك اعتداء ليس له ما يبرره أو يغفره. لقد خلقنا لنعيش في سلام فنتعاون في حب وود لكن أن نتبارى في جعل حياة بعضنا البعض جحيما باستغلال نفوذ أو سطوة أو مال فهو الشر بعينه. كن أمانا لغيرك بابتسامة مطمئنة أو كلمة طيبة أو نظرة مشجعة.
في حياة البشر ما ينزع سلامهم ويكدر صفو معيشتهم كالزلازل والفيضانات والبراكين والطوفان فهي أخطار لا يملكون منها فكاكا. وهناك ما هو نتاج أفعالهم كالحروب والقلاقل التي تهدد الأمان على جميع الأصعدة وتقلب حياتهم رأسا على عقب لكنها في نهاية الأمر تتحكم فيها قوى أكبر منهم لا يملكون سوى الانصياع لها. وبالرغم من كل ما سبق، وفي أوقات بعينها يكون لزاما عليك أن تدفع أمانك الشخصي عن طيب خاطر وبتسليم تام ثمنا لحياة ملؤها العزة والكرامة.
التعليقات