لطالما فكرت وتأملت فى قضية الحياة والموت، لم تشغلني فلسفة الحياة والحكمة من وجودها ووجودنا بقدر ما شغلتني مسألة الموت وماهيته وكيفية حدوثه، ربما كتبت وعبرت عن ذلك فى بعض القصص والمقالات، لكن تبقى هناك لحظة كلما تخيلتها يتوقف كل شيء داخل الجزء الصغير المسمى بالعقل، يتوقف الفكر ويتوقف الخيال ويرتعد الجسد، تلك اللحظة ليست خروج الروح، فلا يوجد إنسان منا يعرف ديناميكية حدوثها.
إنها لحظة ما بعد الخروج هى التى تشغل حيزا من الفكر والخيال والاهتمام.
لا شهيق ولا زفير ولا حركة فى جسد كان يضج بالنبض والحياة ويحدث صخبا وضجيجا ويحب ويكره ويغضب ويحزن ويفرح ويتألم ويسهر ويلعب ويأكل ويشتهى كل شيء.
فجأة يصبح لاشيء !!
عندما تشاهد ذلك الجسد على خشبة صغيرة مستسلما لمن يقوم بغسله ووضعه فى قطعة من القماش الأبيض وبعد ذلك فى صندوق خشبي ثم تأتى لحظة الدخول إلى حفرة صغيرة، فيغادر الأهل والأصحاب ويبقى ذلك الجسد وحيدا فى قبره !
إنك عندما تتخيل تلك اللحظة الرهيبة وتقف أمام المرأة وتتحسس ذلك الجسد الذى سوف يصبح يوما ما كما تخيلت أو كما شاهدت أو عرفت لا تستطيع بعد ذلك إلا أن تزهد فى الحياة وتتركها لمن يحبونها ويتقاتلون من أجلها ويطردون فكرة الموت من العقل ويظنون انهم خالدون.
لاشيء فى الحياة يستحق أن نتصارع ونتقاتل ونتباغض من أجله.
مشكلة الإنسان الأبدية هى أنانيته وشهواته وغروره الذى جعله يريد امتلاك كل شيء فيتقاتل ويكره ويشن الحروب ويظلم نفسه !
كم من ملايين البشر قتلوا منذ خلق أدم وحتى الأن ولماذا؟
سيظل الإنسان ظلوما عدوا لنفسه ولن يفهم الحياة ولن يعرف مصيره بعد الموت مهما حاول.
تستطيع أن تمسك حفنة من التراب الذي تمشي عليه وتسألها : ياترى أي جسد كنت فى الحياة ومتى ولمن؟؟؟
ربما كانت تلك الحفنة لملك من الملوك او كانت لقارون او النمرود..تذكر ذلك !!
لن يجيبك الثرى لكن سوف تطفو على سطح خيالك صورتك وأنت محمولا على الأعناق وذاهب إلى مصير الذين سبقوك فى تلك الرحلة المجهولة فلا تستطيع إلا أن تقول : " يا ليتني قدمت لحياتي"
كلنا نعيش فترة زمنية مؤقته فى الدنيا
لكن الحياة الحقيقية هى التى لم تبدأ بعد !
التعليقات