في السابق كان ما يميز الإنسان هو ذكاؤه وعقله وتمام وجمال خلقته. مع مرور السنين وتطور الحياة تحول به الحال رغما عنه أو بإرادته فظهرت مفاهيم جديدة صاغها بيديه ولم يفرضها أحد عليه فأصبحنا على مصطلحات الذكاء الاصطناعي والجمال الاصطناعي. هل لم تعد الطبيعة تكفينا أو تسد احتياجاتنا الإنسانية؟ أم هل وصلنا لمرحلة من التطور والحداثة التي تستلزم المزيد من الإمكانيات التي لا تتيحها إلا الوسائل الاصطناعية التي تعطي نتائج فورية وتطور من المعطيات الموجودة؟!
لا ننكر فضل العلم في إيجاد حلول تنقذ حياة من فقدوا أحد أطراف أجسادهم في حادث أو بسبب عيب خلقي عند الولادة. نجح أطباء الجراحة والتجميل في تحسين مستوى حياة الكثير من البشر فمنحوهم أطرافا اصطناعية مكنتهم من الحياة بسهولة والقيام بمتطلباتها بيسر واستقلالية. أما مصابو الحروق وحوادث السيارات فيذهلنا أطباء التجميل بما يمكنهم ترميمه وتجميله ليستطيعوا استئناف حياتهم بثقة وفاعلية. زرع الأطباء أصابع القدمين في الكفين ليمنحا من فقد أصبع أو أكثر من أصابع يديه حياة جديدة يستطيع من خلالها القيام بكل شئونه بيسر وكفاءة. أذهلنا تطور علم جراحة التجميل وأهدافه السامية.
بيد أن هذا العلم تطور وتغيرت بوصلته لجراحات أبعد ما تكون عن الجراحات التصحيحية فظهرت جراحات تجميل تغير في ملامح الوجه والجسم. بدأ بعض البشر ينظرون في المرآة يتأملون ملامحهم ثم يشيحون بنظرهم بعيدا وهم يقولون: لأو أنني أملك أنفا أجمل أو وجها أكثر استدارة؟ أريد ذقنا مدببا وشفاها أكثر امتلاء. ساهمت الصور البراقة لنجوم السينما في خلق مفاهيم جديدة عن الجمال. تاهت مفاهيم الجمال الحقيقية ليتم اختزالها في شكل العيون ولونها ومدى امتلاء الشفاه وكيف تبدو أرنبة الأنف! وامتدت الصور المزيفة لتشمل الجسم بكامله فأصبحت مقاييس الجمال تقدر بوزن الجسم وطوله واستدارته!
وبين عشية وضحاها تحولت جراحات التجميل من منقذ لنحات. عمل المشرط بخفة وبراعة فشد الوجوه لإخفاء التجاعيد وصغر هذه الأنف وكبر هذه الشفة. ولهول ما حدث من هوس بشري بمقاييس الجمال المصطنعة لم يعد الأمر مقتصرا على النساء فتنافس الرجال على الحصول على المظهر المثالي المزعوم. تشوهت مفاهيم الجمال الطبيعي وتاهت وسط زخم الجراحات والتعديلات وأصبح الجميع نسخة واحدة من بعضهم البعض ولم لا فالجراح واحد والخطوات واحدة و:انهم منتج متطابق من مصنع واحد. الجمال الحقيقي بصمة تميز كل شخص عن الآخر. من الذي زرع مفاهيم الشكل المثالي للأنف والشفاه والعيون؟ اليوم هذا الشكل هو المطلوب ماذا عن الغد عندما تتغير الفكرة والشكل؟!
وعلى نفس النسق يفرض الذكاء الاصطناعي نفسه على حياتنا مؤخرا وبشدة. لكن الفرق كبير فهو مطلوب ويحسن من مستوى الحياة ومن المفترض والمتوقع منه أن يساعد الإنسان على تأدية واجباته بصورة أفضل. ظهر في كل مجالات الحياة وإن كان لايزال يشق طريقه حثيثا نظرا لارتفاع تكلفة تطبيقه بشكل عام على الجميع. الذكاء الاصطناعي يحاكي ما يستطيع الإنسان القيام به فيمد يد مساعدة إضافية لا تكل ولا تمل وتحت الطلب على مدار اليوم بلا انقطاع عكس اليد البشرية. أصبح يحرك الآلات وينظم السير لكن لا يخلو الأمر من الخطر. أصبحنا مؤخرا نرى كتبا ومقالات قد تمت كتابتها عن طريق برامج الذكاء الاصطناعي. يكفيك أن تعطي البرنامج بعض الكلمات ذات الصلة بما تريد الكتابة عنه فيخرج لك نصا كاملا مكتوبا في دقائق معدودة. هو نص سليم لا غبار عليه لكنه منزوع الروح اصطناعي بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ. لا يحمل روح كاتبه ولا حسه الفكاهي. لا يحمل خصائص الكاتب التي تميز كتاباته عن غيره. وكذلك الحال في الترجمة الآلية. يخرج النص المترجم آليا بلا روح مترجمه ولا انسيابية شخصيته. إعطِ نصا واحدا لأكثر من مترجم وستحصل على أكثر من نص صحيح سليم يحمل بصمة من نقله من لغة لأخرى.
لا ننكر فضل التكنولوجيا والتقنيات التي فرضت نفسها علينا من أجل حياة أفضل. لقد سهلت علينا الكثير من مفردات الحياة وتلاحق متطلباتها. العقل البشري الطبيعي هو من أوجد الذكاء والبرامج الاصطناعية ويد الجراح البشري الماهر المبدع هو الذي أوجد الجمال الاصطناعي الذي تم صقله واختيار شكله بدقة وعناية. لكن اختلط الحابل بالنابل والسم بالعسل. ضاعت مفاهيم الجمال الحقيقي والذكاء الأصلي.الخوف كل الخوف من تبدل الوجه الحقيقي للبشر والعقل الطبيعي الذي ميزه الله عز وجل بهم فيصبح من الأسهل استبدال الملامح بغيرها واستبدال قدرة العقل على التفكير بإيثار الراحة والاكتفاء بكبسة زر تؤدي كل ما كان يوما يميز البشر بأنهم مكرمون.
التعليقات