(الصديق وقت الضيق) عبارة نحفظها عن ظهر قلب منذ نعومة أظفارنا. توارثناها ممن سبقوها ونتناقلها فيما بيننا و سنورثها لمن سيخلفنا. لم لا فالصديق الحق وهو من يظهر وقت الشدائد سندا ومعينا. عندما يكون الإنسان في أضعف لحظاته تحيط به المشاكل أو الأهوال التي لا يستطيع مواجهتها بنفسه يتلفت حوله في جموع علاقاته فيظهر شخص من بين دائرة معارفه ليقدم له يد العون ويهديه ابتسامة طمأنينة وأمان: أنا هنا لا تخف! نتعامل في حياتنا اليومية مع كثير من البشر. نعرف هذا وتربطنا علاقة مع ذاك لكن من يثبت وجوده حقا وقت الأزمات هو من يحصل على لقب الصديق الحق لأنه ظهر وقت الضيق ووقت الحاجة.
مع ذلك، ونظرا لتطور الأيام وتغير الكثير من مفاهيم البشر وعلاقاتهم بل ومشاعرهم ونفسياتهم تجاه بعضهم البعض أعتقد أن من الأولى أن يتوج باللقب من يظهر وقت الفرح. الصديق الحق هو من يفرح لفرح صديقه. من يسانده وقت سعادته ويشاركه فيها بقلب مخلص ونية صافية. وقت النجاح في العمل أو أي فرع من فروع الحياة، وقت الإنجاز وتقلد المناصب أو الزواج أو استقبال مولود جديد أصبح في وقتنا المعاصر يستلزم الحاجة لوجود شخص مقرب مخلص تشعر بأنه يشاطرك الفرح دون تملق أو رياء أو نفاق.
لماذا يظهر الفرح لا الحزن، معادن البشر؟ لأنه ببساطة دليل على صفاء النية وصدق المشاعر. في الحزن والمصائب تكون هناك مشاعر تعاطف وحسرة ووجوم تحرك البشر وتدفعهم رغما عنهم للتكاتف والنجدة. لكن مع تطور الحياة التي نعيشها والتي طغت عليها معاني الأنانية والفردية والمصالح والمنافع والقيمة المادية قبل الأدبية أصبح التفاعل مع فرحة الآخر مقياس لمشاعر صادقة لا تحركها إلا الصداقة المخلصة. ما الذي يدفعني لأن أشارك صديق في ترتيب حفل أو تنسيق حديقة أو اختيار اسم مولود أو سيارة جديدة أوحضور حفل توقيع كتاب جديد أو تلبية دعوة افتتاح مشروع تجاري أو زواج أو حتى دعوة على طعام احتفالا بحدث سعيد؛ إلا مشاعر صادقة جعلت فرحة الصديق فرحة شخصية لي.
نحتاج لبعض في الشدائد فالحضور واجب لكن في الفرح يمكننا التعامل بمفردنا فيصبح تواجد الآخر وقتها فضل وإضافة لا يجبره عليه أحد. من يظهر ويحضر يفعلها بدوافع الحب والإخلاص للصديق الذي يكن له مشاعر خاصة يفرح بفرحه ويحزن لحزنه. الفرح والنجاح والفوز مواقف كاشفة لمن يضمر الخير ومن يتصنع الاهتمام. نعرف حينها من يحمل لنا ودا ومن يستكثر علينا السعادة. من يثمن قيمة السعادة والفرحة فلا يتوانى عن المشاركة وإدخال السرور بكلمة تهنئة أو هدية بسيطة أو زيارة بدلا من تجاهل الحدث كأن لم يكن هو شخص نقي السريرة لا يحمل غلا ولا حقدا.
الصداقة من أهم وأعقد العلاقات الإنسانية. ليس كل من نتعامل معه يوميا صديق ولا كل من نعرف كذلك. نحن أنفسنا لا نستحق اللقب إلا عندما نقف مع الصديق على قدم المساواة في الحزن والفرح. حزنه حزننا وفرحه فرحنا. ما يسيئه يسيئنا وما يبهجه يبهجنا. التواصل لا يتجزأ والمشاعر ليست انتقائية. من يصدق في علاقاته يصدق في تصرفاته في كل الأحوال.
التعليقات