مع اقتراب موسم نتيجة الثانوية العامة، والجو المشحون بالحزن والعبرات أكثر من الفرح والضحكات، تأتي النصائح من قبيل لا تحزن، لا تعترض على قضاء الله، وهم واثقون مؤكدون أن الحزن والبكاء يعني الشك فأصبح منافيا لليقين.
سيدنا يعقوب -عليه السلام- عندما جاءه خبر وفاة ابنه المحبب إلى قلبه سيدنا يوسف -عليه السلام- لم يصدق أنه مات وثق في رحمة ربه وكله يقين بلقاء قريب أو بعيد بولده كي يقر به عينيه، ومع ذلك حزن حزنا شديدا وبكى حتى ابيضت عيناه، "وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيم .قَالُواْ تَاللَّه تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ. قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ." وقيل في تفسير "ابيضت عيناه" أنها كناية عن العمى الكلي، وقيل أنه كان يبكي في دعائه طالبا من الله الرحمة والشفاعة لضعفه وشيبته، فجمع بين الحزن الشديد على الفراق واليقين برحمة الله.
هذا مع اليقين والثقة بالله في حالة أمر لم يُبت به قطعا لكونه لم يرَ جثة ولده ولم يدفنه، أما في حالة الأمر المقضي والمنتهي؛ عندما مات إبراهيم ابن سيدنا محمد (ص) بكى في جنازته حتى دفنه وهذا دليل أن الحزن لا ينافي الرضا بقضاء الله، "إن هذه رحمة يرحم الله بها عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء." صدق رسول الله (ص). فطبيعة البشر بصفاتهم النابعة من فطرتهم لا ذنب لهم فيها ففي الفرح يضحكون وفي الحزن يبكون وهذا وذاك من رقة القلب، فأما ما زاد عن هذه الفطرة بأي شكل من أشكال المغالاة كالنحيب والصراخ هنا أصبح التعبير محرما.
الخوف من المستقبل، الخوف من عدم مجيء الرزق؛ ليس لعدم الثقة في الله بل لعدم الثقة في قدرتنا كبشر في تحديد مقدار السعي المطلوب للوصول للرزق الذي كتبه الله لكل عبد من عباده، الخوف من خبايا القدر، هذا ما يجعل من الثانوية العامة وسلطتها في تحديد مجال الدراسة ومجال العمل فيما بعد أمرا مخيفا يثير الفكر ويؤرق الجفون وليس لأحد على لا وعيه سلطان إلا بالذكر والتقرب من الله.
فأجمل ما يُقال إلى طالب ثانوية عامة أو غيره ممن تخيفه خبايا الأقدار لمستقبله ما قاله سيدنا محمد (ص) لصديقه أبي بكر الصديق في لحظة خوف في غار حراء "لا تخف إن الله معنا" فلم يُفسر أسلوب النهي هنا بكونه تحريما للحزن بل لرغبة سيدنا محمد (ص) في مساعدة صديقه مهدئا من روعه؛ ليقينه بأن الله ناصرهم؛ فإذا كان الله معهم فمن عليهم.
التعليقات