اغفري للحكمة للأجر للهدف الأسمى.. كانت الرحلة متعبة للفكر للنفس للجسد.. للأسف...
التقينا في سفينة، وجمعتنا تبادلات الإعجاب.. واجهتنا أشياء غريبة وفرقتنا الظروف، لكن لا بأس فلقد بقى الود، وبقى الطيف.. الطيف الذي يذكرنا بالهفوف البارد على الصدر الذي ينعش القلب الدافىء الشغوف...
ودارت الأيام واكتمل دورانها فيزيائياً على واحد منا في الانتظار حتى تلاقينا، ولما تلاقينا عادت اللحظات وعاد الهفوف البارد الجذاب.. عاد عبر تواصلٌ سيبراني، وتواصلٌ رقمي متأرجح بين رحاب النشر في آفاق الخضرة وانسياب الماء وجمال الإنتاج، وبين البعد عن الانزعاج وتلاطم الأمواج والأهتياج؛ الذي أضر بالأخلاط الأربعة وبدد مفاهيم الأخذ بالأسباب وسهولة الاجتناب.. لكن التواصل الأعجب كان في سبر غور سحر الكلمات والمعاني القاصدة وحصافة الأراء التي عبرت عما في الخواطر من اغتراب واقتضاب وانعطاب على الرغم من صفاء القلوب ونقاء السريرة وسماحة العاطفة تجاه الأحباب والأصحاب والأغراب، والحق يقال كانت ولا زالت وما زالت كلمات سفينتها الرائعة الجاذبة تمخر عباب بحري الكتّاب.. كلمات سفينتها المميزة المترادفة المترابطة التي بأمر منها ولعدة أسباب قاهرة جعلتها ترسو ولا تتحرك إلا من بعض مساحات.. مساحات قليلة جداً وفق ردود لتساؤلات.. فطلبتها العودة كل بل ناشدتها العودة.. عودة سفينة الكلمات إلى مسارها الصحيح بين الأدبيات.
قالت بجمال عذوبة الكلمات: " طلبتك.. لا تفتح الباب لـ عصفور نائم في قفصه؛ ارهقه النظر الى غصن شجرة، يتمايل امامه صيف وشتاء، ولا حيلة له سوى الصمت والتكيف... دعه فيما كان يظنه مأمنه او هكذا اجبرته الظروف ان يكون حبسه مأمنه ولا يعرف عن ماذا.. دعه فما تبقى إلا القليل فما عادت به قدره على الطيران بعدما تهشمت اجنحته.. دعه في غربته فما عادت الأوطان أوطان ".
قلت: زاد الإلحاح إلحاح لا للحضور فقط لا ولا للمجاملات إنما هو المنطق، ولا للأعذار أكثر للتوقف لا ولا للماضيات الحزينات المتعبات فكراً ونفساً وجسداً لا ولا للمعضلات.. عودي وأطلقي العنان للصافنات المبدعات بلاغةً وفصاحةً ومفردات.
ردت فقالت وأجادت بتساؤلات واستفسارات يعتريها حوافز ومعقولات أولية وفلسفية ومنطقية إدراكاً للموجودات والمحصولات..
قالت: "وهل لنا أن نعود بعدما زارنا المشيب ورسمت خطوطه على ماء عيوننا حزن السنين ؟ هل لنا من رجعه بعدما كممت أفواهنا ومنع عنا دواء الكلام ؟ هل لنا أن نعود للوراء لنكمل رسم جذور كتاب كان حلمنا ؟ هل لنا أن نصحي بنات أفكارنا من سباتها لتتطاير فرحاً بإيقاضها لتعود تترجم ما تنادي به وجداننا ؟ كيف نعود وقد تعملقت الحواجز والأسوار ؟ كيف نعود ولمن نعود وما تبقى من ذاك الزمن سوى حرفٌ مشيبٌ أرهقته السنون ونسى كيف هو عذب الكلام في حاضر مزدحم بالكلام ".؟!
أقول: دواء الكلام أنتي، وبنات الأفكار أنتي أمهم وهل تبخل الأم بالدواء على البنات؟ والبنات يستحقن الرقص والتطاير فرحاً وتعويضاً عما أصاب الأم من تهميش وتطويق بحواجز وأسوار ظنوا أنها عملاقة وتكفي لحجب للضياء.. هيهات هيهات أن تشيخ الحروف وعندك شبه أكسير الحياة ألا وهو جمال روحك وجمال نطقك السامي الذي يتناغم مع الحياة.. بالله عودي يا دهن عود الوطن، والأوطان تبقى كما هي أوطان نتظلل تحت فيها ولا نستغني عنها ولا نقتلعها من الجذور لأن جذورنا فيها وروحنا فيها ما دامت الأزمان أزمان...
تفاكرت مع نفسها أو مع قرينها وقالت بنبضات وجدانية: " يا أيها الصوت المنادي القريب البعيد.. تريث في تكرار النداء على مسامعي.. كلي آذان صاغية لجداول طيب آتيه.. ثم أرجعت الاستماع لكي أتأكد هل الطيب مخصوص لي أم هي رياح تهب ثم تمر مرور الكرام..
وحين تمعنت بين حروفها تأكدت بأنني المقصود من صوت صفيرها المتناغم الذي لم يأتي إلا قاصد لــ عصفور تحدث من حبسه ؛ اعتذر عن التحليق في سماء الخذلان، وفضل أن يناظر من مخدعه الأتي والمتأتي حذراً ممن يحاول أن يخدعه.. تحذر ولم يأتي الحذر من فراغ.. هو سلام من حرب أعصاب كادت مرارا أن تنال مقتله...
مددت يديك للنهوض، عن اي نهوض تتحدث ؟!!! ومن هو في حالته، يحتاج سنداً تتكى عليه مشاعره ؛ يحتاج لمن يوقف مدامعه، وغصة مسننه تنزف الروح متثاقله.. ماذا تفيد اليد الناجده والحال يرثى له ؟!!! نهايات لا بدايات لها ؛ نهايات متراكمه..
وتحدثت الحكمة عنها متآزره.. دعه فما تراه عصفوراً متردد في ابتغاء الوطن، لأنه غريب في موطنه.. دعه فما أتى عليه من ظلم يعد قصص خيالية لا قلم يكتبها ولا دفتر يضمها.. مدينة من حزن لو وزعت على مدينة لأبكاها، وتبقى خيط رفيع من أمل يصبره.. أن لا يمل من صبره.. فما أتاه أتاه "...
قلت لها: حاولي وتابعي لهفة متابعينك ومعهم حرقة حاقدينك وحاسدينك، لا للتشفي أو العنجهية إنما هو التحدي الذي عُرفتي به وميزك عن غيرك.. عودي حتى يعلمون أنك في ميدانك الإبداعي ولم تتزحزحين إلا بإرادتك...
قالت: " سأحاول وان كانت المحاولات ليست بالشي السهل، فأن تحاول معناها أن تغامر بما تبقى لك من رمق.. أن تحاول معناه ان تمضي عكس التيار وكل ما تصادفه يصفعك وبقوة متعمداً إغراقك، فهذا التيار أنا أعرفه ولا أعرف مرافق غيره، فهو يتعمد إيذائي لــ ترويضي لكي استقر في قاعة مع المتشابهين، ويأبى كبريائي أن استسلم فـ القاع لا يناسبني، والتشابهه لا يغريني، فــ أنا عشقي الصعب ؛ وإن خضت حروب الحياة فإن انتصاري بكرامتي يحييني الف عام، ويتولد في قلبي الف صبر وتحدي.. ونحن لها بإذن الله "...
قلت: هو العهد بكِ نجيبة مميزة حكيمة قوية صبورة وأشياء أخرى...
ومن كلامها:
-اعذر بعد علمنا واعذر مساحة تناسبنا...
- يا ليت تواصلنا من سنوات مضت كانت الزهور ارتوت وتفتحت...
جمعتنا نفس السفينة، فأغفري للحكمة للأجر للهدف الأسمى.. كانت الرحلة متعبة للفكر للنفس للجسد.. للأسف.. لكن القادم أفضل بإذن الله، فلنتمسك بالأمل...
(تلك الأحداث كانت حوار من نَسْج الجمال والتمسك بالآمال.. موقعها أثينا. اليونان).
التعليقات