كتب يقول لى: عزيزتى حنان مفيد، لأن الفضفضة معك حزام أمان وخيمة طمأنينة، اخترت أن أكتب لك هذه الرسائل لأنك مازلتِ فى عينى الطفلة بضفائر التى علّمتها الأدب بنظرة عين.. إننا مجموعة تجارب على مر العمر، نتيجة اشتباك بالحياة.. وبالإدراك والرشد نميز بين الخطأ والصواب ونفهم الفرق بين تجربة مفيدة وتجربة ضارة، فالتجربة مفتاح فهم وقياس درجة الإرادة الإنسانية. نعم يا حنان، إن تجاربنا تعلمنا صحيح السلوك، وبالتأمل والتدريب نصل إلى حالة الفهم، والفهم مفتاح إدراك كافة الأمور، ليست هناك معرفة دون معلم.. إن المعلم هنا ربما كان تجربة وليس النصح الشفوى.
على أى حال، لقد درستِ يا حنان علم النفس، وتخرجتِ فى ذات القسم، وتعرفين معنى السلوك الإنسانى، وتدركين أن التدريب هو آلة اكتشاف المهارات الشخصية، فلاعب الكرة العالمى ميسى هو نتاج تدريب مستمر.. وأوبرا وينفرى هى عصارة تجارب وتدريبات مستمرة من خلال الممارسة.. وأم كلثوم الكبيرة مرت بسلسلة تدريب واختبارات من أول ترشيح الشيخ أبوالعلا إلى رياض السنباطى. إن التدريب والتجريب يضخان المهارة والأفق البعيد والاسم الرنان. إن كل ما نتقبله من خلال الحواس يتحول إلى صيغ حيوية تصبح غذاءً للجسم المادى الذى يشتبك مع حياتنا سلبًا أو إيجابًا.
عزيزتى حنان مفيد.. تعلمنا الحياة ما لا نعلمه، وتعطينا دروسًا مجانية شريطة الإصغاء الكامل للدرس المستفاد، والمعادلات تغير النتائج. أنا مثلًا يا حنان، ضربتنى السلطة فى الزمان الشمولى، وفصلتنى من العمل بسبب مقال اعتبرته السلطة تطاولًا عليها، وأنصفنى زمان مبارك وتغير المناخ وصرت رئيسًا لتحرير مطبوعة «صباح الخير»، وكانت السنون مليئة بالنجاحات وصارت حديث المدينة لأننا نسبح فى هذا الكون بمشيئة الله، وكل خطوة تتم بهذه المشيئة، فيوم خرج وزير دفاع زمن الإخوان عبدالفتاح السيسى على الإخوان لحكم مصر كان ينفذ مشيئة الله.. وتعالى نعط مساحة للتأمل، ماذا لو أغضبنى هذا النظام وأعطى الشباب فقط تورتة العمل العام وقام بتهميش القامات إلا من مناسبات متفرقة لإثبات العكس؟.. إن موقفى سيكون الغضب من منصة وطنية لأن هذا الزمن اتصف بإنصاف مَن همشتهم الأنظمة السابقة، والأمل فى ملف الإعلام أمام الرئيس، وعودة المهنية والاحترافية.. وفى مصر طاقات وأسماء يمكن أن تعيد للشاشة بريقها بشرط ألا تتحكم الإعلانات فى مقدرات إعلام هذا البلد.
الجيش الثالث بعد القوات المسلحة والشرطة، الذى تحارب به مصر، انتظر مشيئة الله فى عودة إعلام مصر إلى رتبة عالمية، فقد كان فى فترات أخرى فاعلًا ومؤثرًا أكثر.. لم يكن من الطبيعى يا حنان وأنتِ تمسكين بقلم ساخر وطنى عاشق لتراب مصر أن نعبر منطقة التجربة والعلم والتدريب والخبرات المتراكمة حال الإعلام، فليس فى حديثى شبهة التمسح فى السلطة أو التطبيل لها، خصوصًا أن السلطة لها أنف حساس تصله رائحة النفاق عن بُعد ويدركها.
عزيزتى حنان، تعلمت فى زمن نضحى بالعمر والتجربة شيئًا مهمًا اسمه «النظرة الكلية»؛ ومغزاها أنه لا ينبغى لى أن أنظر لما يجرى فى البلد نظرات آحادية وإلا وقعت فى مطب الشخصانية، وهى آفة كل مكان وزمان، لست متكالبًا على العمل على الشاشة رغم أن عدستى التلفزيونية رحبة وتدرك أهمية العمل الوطنى، إنه انتماء عميق يبدأ بالوقوف وراء حاكم جسور كسب ثقة العالم فى التعامل والتفاعل معه إلى الوقوف فى وجه شائعة تقصد الإساءة، مرورًا بالوعى فى فهم مراحل بناء بلد فى ظروف بالغة الشدة.. تلك هى يا حنان فلسفة «النظرة الكلية».
عزيزتى حنان مفيد.. لأنك عبر الفضفضة حزام أمان وخيمة طمأنينة، اخترتك وتسألينى: ما حدسك للأيام القادمة؟ هل نراجع أنفسنا ونمارس نقدًا ذاتيًا ونعدل أى حال مايل؟ هل ننتبه؟.. وأقول لكِ إن أعظم ما يفعله الرئيس فى حياة المصريين أنه يبعث دائمًا بطاقات إيجابية وتفاؤل، إنه يبتسم دائمًا ولكن الحدس لا يمكن تفسيره علميًا، إنه شىء خارج حدود التفكير.. إن الدماغ يشعر بالحدس ولا يملك أن يفسره.. يمكن الإحساس بقفزة، ولكن من أين تأتى؟.. لا أعرف سببًا عقلانيًا ولا أستطيع أن أقيم علاقة نسب الحدس إلى التفكير، فكلاهما منفصل.
وبعد.. هل لاحظتِ أنى ختمت رسائلى إليكِ بقضية فلسفية حول ماهية ومصدر الحدس فى عقولنا؟ لا مانع من بعض الإرهاق الفكرى بدلًا من التسطح بالكرة والضحالة التلفزيونية.. شىءٌ من تشغيل المخ المضبوطة ساعته على الكرة، وتحويل التوك شو إلى توك شو.
التعليقات