هذا بخيل وذلك أناني. فلان جبان وفلانة مغرورة. لقد بدل المال حال فلان وأفسدت الشهرة حياته. لو كان فعل كذا لكان أفضل له ولو أنه لم يفعل كذا لكان خيراً له. أحكام يصدرها الناس صباحا ومساء على بعضهم البعض. تلاحقنا آراء الناس وتصوراتهم. يقيمون أفعالنا ويتدخلون في تفاصيل حياتنا فيعدلون ويغيرون ما يرونه مناسبا لهم وموافقا لما يرتضونه هم لا أصحاب الشأن نفسه! 

تكبل آراء الآخرين وتفضيلاتهم حياتنا. يتدخلون فيما لا يعنيهم ويعطون لأنفسهم الحق في إصدار الأحكام بصواب أو خطأ ما نقوم به. مهلا! من أعطاهم هذا الحق؟! من هم ليحكموا بأحقية فلان في شأن من شئونه الخاصة من عدمه! من هم ليباركوا فعل هذه البنت أو تلك السيدة؟! من أعطاهم حق التدخل وإبداء الرأي؟! 

لا تخلو حياة أي شخص منا من قرارات عليه اتخاذها واختيارات عليه القيام بها من أجل استقامة حياته هو وحياته من يعولهم إن وجدوا. يجب عليه قيادة حياته بمعزل عن تفضيلات الناس وما يرضونه أو يرفضونه. من نصبنا قضاة نحاكم بعضنا البعض؟ من عقد محكمة البشر التي يحاكم فيها البشر بعضهم البعض بظاهر ما يعرفونه وبتحزبهم مع بعضهم البعض ضد الآخر؟! يهتف أحدهم أن هذا الشخص نموذج للبر والتقوى فيصيح الجميع من خلفه أن آمين صدقت! انظروا إلى تصرفاته أمامكم؛ إلى مظهره التقي؛ إلى تشدقه بالقول الطيب. يصدر الحكم عليه بالصلاح فيختم بختم الجودة حتى وإن كان منافقا ويضمر من الشر أكثر مما يظهر من الخير. لكنه حكم الناس ولا يجوز أن يخالفه أحد وإن كان على حق وإلا سينقلب السحر على الساحر وينبذ من القطيع!

تكبل الهموم والمشكلات فردا ما فينطوي على نفسه ويعتزل الناس ضعفا وهوانا فيتهمه البعض بالتقصير وتعلق له المشانق من آخرين أنه أصبح متعاليا يضن عليهم بالاهتمام والحديث. يصدر الحكم وعلى الجميع التعامل وفقا له.

من أعطانا حق محاكمة بعضنا البعض؟ من سمح لنا بإصدار أحكام جائرة لا أصل لها سوى آراء الناس وانطباعاتهم الشخصية التي تم تكوينها وفقا لمعطيات ظاهرية قاصرة تم تأويلها بصورة قاصرة تحمل الصواب أو الخطأ وفقا لمعايير كل فرد وميوله وأهوائه بل ورغباته. من قال أننا ملزمون برأي مجموعة من البشر تكبل حياتنا وتعرقل تقدمنا. من هم وما هو ميزانهم؟

من منا لم يسمع حكاية جحا وابنه والحمار. ركبا عليه هما الاثنان فاتهمها الناس بالقسوة وتحميل الحمار ما لا يطيق. ركب جحا وحده فاتهم بأنه ظالم عديم الرحمة يركب ويترك ابنه يسير بجواره. وعندما قرر الأب أن يسير هو ويترك ابنه ليركب على ظهر الحمار كان الحكم على الولد بالعقوق والاستهتار. ولما فاض بجحا وابنه الكيل وقررا ألا يركب أحد منهما وسارا بجوار الحمار قابلتهما جماعة أخرى استنكرا عليهما فعلتهما ونعتوهما بالغباء لأنهما يسيران على أقدامهما وهما يملكان ركوبة. عاب عليه الناس في كل حالاته فقرر بيع الحمار وإنهاء المسألة برمتها حتى وإن عانى من تبعات قراره. 

لا تلتفت إلا لميزان الله العدل. لا تعبأ برأي البشر ولا بأحكامهم القاصرة. الحمد كل الحمد أن لنا إلها عدلا حكيما بصيرا عليما سنمثل أمامه يوما ليحكامنا ويفصل بيننا. ميزاننا هو ما يرضي خالقنا فقط لا غير. لا تسعَ لإرضاء الناس ولا تعبأ برأيهم إن اعترضوا. من حكم عليك بأنك جبان لتصرف صدر منك وحدك تدرك دوافعه وأبعاده فحكمه لنفسه لا يعنيك في شيء ولا يجب أن يؤثر على حياتك. من قرر أن فلاناً بخيلاً لأنه لا ينفق وفقا لمعطيات الآخرين ربما يكون لا يملك قرشا في جيبه من الأساس! 

يا من تطلقون أحكامكم الساذجة أحيانا والظالمة أحيانا كثيرة على غيركم هل فكرتم يوما في سبر أغوار ما دفعهم لذلك بدلا من جلدهم بألسنتكم اللاذعة؟ هل فكرتم في التقرب إليهم ومساعدتهم في التغلب على ما دفعهم ليكونوا في مرمى أحكامكم الجائرة وسهام ألسنتكم التي لا ترحم؟ رفقا بغيركم فخلف كل وجه هناك الكثير من التحديات التي لا تعرفون عنها شيئا. من زاد علمه قل إنكاره على الناس. كونوا أكثر تعاطفا وتفهما وانفتاحا. لا تسقطوا ضعفكم وهشاشتكم على الآخر. قالها السيد المسيح ونقولها من بعده: (من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر). وأنت أيها المسكين الذي يعاني من الآخرين: لا تلق بالاً بما يقولون. دعهم يضيعوا جهدهم ووقتهم. لا تتوقف عند أحكام البشر فالحمد لله أن محكمة الآخرة محكمة إلهية عادلة. امضِ في طريقك وفق ما تراه مناسبا وسليما ترضاه لنفسك ويرضى عنه خالق الكون. وتذكر دوماً أن إرضاء الناس غاية لا تدرك. حسبك أن (الجماعة ما وافق الحق ولو كنت وحدك).