أنا من محبي الطيران منذ ان كنت صغيرا، وأعرف تقريبا كل أنواع الطائرات، وخصائص كل منهم، وعندما وصلت إلى بريطانيا في عام ١٩٧٠ وبدأت رحلتي في عالم الطب التحقت في نفس الوقت بمعهد الطيران البريطاني بمدينة لوتن، وكنت على وشك إكمال الكورس ولكن بسبب انشغالي الشديد في مهنتي كطبيب لم اتمكن من تكملته وكان من الممكن أن أكون اليوم كابتن طيار بدلا من طبيب بشري، وهذه بالطبع إرادة الله.
كنت ايضا مغرم جدا بطائرة الكونكورد بشكلها الجميل وخصائصها الهائله التي سبقت عصرها، وكنت سعيد الحظ جدا اني ذهبت من لندن الي نيويورك مرتين اي اربع رحلات علي متنها ولذا أسرد هنا وبايجاز شديد بعض المعلومات عن احب طائرة إلى قلبي{الكونكورد}.
الكونكورد هي طائرة أسرع من الصوت ، وكانت أكثر نجاحًا من التوبوليف تي يو ١٤٤ ، (وهي الطائرة الأخرى الفائقة لسرعة الصوت التي كانت تستخدم تجاريا ) .
طائرة الكونكورد التي حطمت زجاج المطارات ، وهشمت مدرجاتها ، أصبحت الآن تُعرض في معارض الطيران لتصبح أثرًا كان في يوم من الأيام يسبح في سماء العالم.
كانت شركة إير فرانس المملوكة للخطوط الجوية الفرنسية قد قرّرت إيقاف رحلات طائرات الكونكورد في ٣١ مايو ٢٠٠٣ بسبب ارتفاع تكاليف تشغيلها وتراجع الطلب عليها، كما كان من المقرر أن تنهي شركة الخطوط الجوية البريطانية هي الأخرى تحليق الطائرة من لندن، أيضًا في شهر أكتوبر من ذلك العام، لينهيا معًا أسطورة الطائرة الأسرع من الصوت، كما بدآها معًا في ٢٩ نوفمبر ١٩٦٢ عندما قامت الحكومتان الفرنسية والبريطانية بتوقيع اتفاقية مشتركة لتصميم وتشييد أول طائرة مدنية أسرع من الصوت.
كانت الكونكورد تقوم بخمس رحلات أسبوعية بين باريس ونيويورك ، وكذلك بين لندن ونيويورك في سرعة قياسية تقل عن اربع ساعات، في الوقت الذي تقطع فيه أفضل الطائرات التقليدية، نفس المسافة في ٨ ساعات ، إلا أن الضربة القاصمة التي تلقتها طائرات الكونكورد كانت بسبب سقوط إحداها في ٢٥ يوليو ٢٠٠٠ بعد لحظات قليلة من إقلاعها من مطار شارل ديجول بضاحية العاصمة الفرنسية باريس، حيث ارتطمت احدي عجلات الطائرة بسلك معدني كان موجود علي مدرج الإقلاع ليموت كل من على متنها وتتوقف رحلات الكونكورد بعدها لمده عام ، قبل ان تتوقف تماما عن الطيران في عام ٢٠٠٣ .
يبلغ طول الطائرة الكونكورد ٢٠٤ أقدام، قابلة للتمدد من ٦ إلى ١٠ بوصات أثناء الطيران بسبب الحرارة الشديدة لهيكل الطائرة من جراء سرعتها الرهيبة. وتبدو الطائرة في السماء داخل ردائها الأبيض المصنوع من طلاء خاص تم تطويره كي يتواءم مع تلك التغيرات ، إضافة إلى قدرته على تشتيت الحرارة الناشئة عن الطيران بسرعة تفوق ضعفي سرعة الصوت.
ويبلغ طول الجناح ٨٣ قدما و ٨ بوصات وهو ما يقل كثيرًا عن الطائرات التقليدية التي تسير بسرعة أقل من سرعة الصوت ، حيث تسير الطائرة الكونكورد بطريقة مختلفة كلية مستخدمة أسلوب "الدوامة التصاعدية" لإنجاز مهمتها الاستثنائية.
وأهم ما يميز هذا النسر الطائر هو ذلك الأنف المتدلي من المقدمة، ولعل ذلك ما يتيح أفضل رؤية ممكنة للطيارين عند الهبوط والإقلاع.
يتناسب شكل الجناح الذي تتميز به الكونكورد مع كونها طائرة أسرع من الصوت ، حيث يتطلب المزج بين خاصية الطول الكافي وعمل المجداف ، مع أقل سمك نسبي، يتواءم كل ذلك مع عمليات الصعود والهبوط ، حيث يظهر من الصلابة الهيكلية ما هو كافٍ لظروف الطيران في هذه الأجواء.
عند الاقتراب من الهبوط، ينتقل الوقود إلى مقدمة الطائرة، ويصحب ذلك ارتفاع أنف الطائرة ، لتهبط الطائرة في مشهد يشبه هبوط الطيور على سطح الماء ، كما تتحرك أجنحة الكونكورد بزاوية واضحة أكثر مع المستوى الأرضي في الإقلاع والهبوط ، وهو ما يضمن لطاقم الطائرة رؤية أوضح ، كما تمتاز الطائرة بوجود جهاز تسجيل ومراقبة على جانبي جسمها يحلل ما يزيد عن ٦٠٠ قراءة تعبر عن مسار وحالة الرحلة .
حادثة تحطم الكونكورد في الرحلة رقم ٤٥٩٠
سقطت طائرة الكونكورد بعد إقلاعها بدقائق معدودة من مطار شارل ديغول في ٢٥ يوليو ٢٠٠٠ ، حيث اشتعل حريق مفاجئ في جناح الطائرة الأيسر مسببا فقدان توازنها مما أدى إلى وقوعها وتحطمها على سطح فندق قريب من المطار. نجم عن هذا الحادث الكارثي مقتل ١٠٩ أشخاص هم جميع الركاب وطاقم الطائرة. بالإضافة إلى ٤ أشخاص كانوا في الفندق الذي تحطمت عليه الطائرة، لتصل محصلة الضحايا إلى ١١٣ شخصا.
عرف عن الكونكورد إتباعها لمعايير سلامة عالية جعلتها الطائرة الأكثر أمانا في العالم. فلم يقتل إنسان أو يتعرض للموت عن طريق الكونكورد قبل هذه الحادثة طوال ٢٥ عاما. على أن ما يجب ذكره إن إطاراتها حساسة للغاية وذات ضغط عال وكان معدل تفجرهم أكثر ب ٦٠ مرة من الطائرات العادية. إلا إن حوادث تفجر الإطارات لم تؤذ أحدا.
كشفت التحقيقات على أن سبب الحادث هو سلك معدني طوله لا يتعدى ٤٣ سم كان موجودا في ممر الإقلاع. حيث ارتطمت به عجلة الطائرة بينما كانت تسير بسرعة ٣٥٠ كم في الساعة. فانفجر ذلك الإطار الحساس أصلا، مطيرا قطعة تزن ٢٥ كغم من الإطار لتصطدم بمحركات الجناح الأيسر. فتسللت كميات كبيرة من الوقود على طول الجناح وعلى المحركات. إلا إن هذا لم يكن كافيا لاشتعال الطائرة. حيث اشتعلت النيران عندما طارت قطعة أخرى صغيرة من الإطار المفجور بنفس الوقت مع خروج القطعة الأولى، قاطعة سلكا كهربائيا بالقرب من الجناح مما أدى إلى اشتعال شرارة أشعلت الوقود المتسرب الذي بدوره أشعل حريقا كبيرا في جناح الطائرة بأكمله أدى إلي إيقاف محركات ذلك الجناح.
قد يتسائل البعض ألم ير القائد الحريق قبل أن يقلع وإذا رآها لماذا أقلع ؟ الحقيقة أن الطائرة كانت على قرب من نهاية ممر الإقلاع وتسير بسرعة عالية جدا فوصلت إلى نقطة اللاعودة عندما اندلع الحريق فوجب إقلاعها بأي شكل من الأشكال.
بعد هذا الحادث توقفت الطائرة عن الطيران لمدة سنة كاملة لتحسين إجراءات السلامة عليها. هذه الإجراءات الاحترازية الجديدة جعلت من الرحلة باهظة التكليف. فتوقفت الطائرة عن العمل تماما في عام ٢٠٠٣.
د. عصام عبد الصمد
رئيس اتحاد المصريين في أوروبا
التعليقات