تختلف رؤية التاريخ باختلاف وجهة النظر فيمكن للظالم أن يكون مظلوما، الخديوي توفيق سادس حكام مصر من الأسرة العلوية وهو ابن الخديوي إسماعيل ولكن أمه وسبب الظلم الذي تعرض له في صباه كانت شفق نور هانم حيث كانت جارية في البداية إلى أن جاءت أوامر الباب العالي بضرورة زواج الخديوي إسماعيل منها لأنها والدة ابنه الذي من المحتمل أن يحكم مصر يوما ما، مع معاملة سيئة من الخديوي لها لأنه لم يختارها كباقي زوجاته، ولذلك تعرض الخديوي توفيق للتفرقة بينه وبين إخوته حيث لم يرسل إلى أوروبا للتعليم مثلهم مع تدهور علاقته مع والده والتي وصلت إلى تعاونه مع الإنجليز والفرنسيين لإجبار والده على ترك عرش مصر وتسليمه له.
مرت مصر بالعديد من المحطات المهمة في تاريخها إبان فترة حكمه منها الثورة العرابية التي قام بها الزعيم المصري أحمد عرابي مدافعا عن حقوق الشعب مطالبا بأولوياته رافضا التدخل الأوروبي الذي أضحى واقعا راهنا منذ حكم الخديوي إسماعيل حيث أصبحت ميزانية تسديد القروض الأجنبية تمثل نصف إيرادات مصر بالإضافة إلى بيع ما تبقى من نسبة لمصر في أرباح قناة السويس إلى بعض من رجال المالية الفرنسيين لتفقد مصر ركائز اقتصادها كاملة، رفض الخديوي توفيق مطالب الشعب بداية وأمر باعتقال عرابي ومن معه إلى أن أخرجوهم زملاؤهم في الحركة العرابية وانطلقوا جميعا إلى سرايا عابدين لملاقاة الخديوي مرة ثانية وهنا دار واحد من أشهر حوارات المناضلة المصرية والصمود أمام القوى العليا والاعتراف بالحرية؛ حيث هاجمه الخديوي توفيق قائلا:" كل هذه الطلبات لا حق لكم فيها، وأنا ورثت ملك هذه البلاد عن آبائي وأجدادي، وما أنتم إلا عبيد إحساناتنا." ليرد عليه أحمد عرابي بجسارة معهودة من المصريين:" لقد خلقنا الله أحرارا، ولم يخلقنا تراثا أو عقارا؛ فوالله الذي لا إله إلا هو، لا نُورَّث، ولا نُستعبَد بعد اليوم." فنفذ الخديوي طلبات الشعب حيث عزل رياض باشا وزيادة عدد الجيش وتشكيل مجلس النواب مع توسيع اختصاصاته ما عدا مناقشة الميزانية حتى لا يثير غضب إنجلترا وفرنسا.
اعتقال أحمد عرابي وغيره ممن تم اعتقالهم في تلك الفترة لم يكن يوما خوفا فكان الاعتقال مجرد تحديد إقامة وليس بتعذيب أو إخفاء هوية مثلما يحدث في أنظمة حكم أخري، فكان الغرض منه تقديم الولاء والطمأنينة للقيادة العليا التي كانت تمثلها الدولة العثمانية ثم أصبحت إنجلترا وفرنسا فأما عن الخديوي فكان مطمئنا؛ لأنه لم يكن هناك مجال لخوف سيد من صياح عبده لأنه حقا كان يرى شعبه على أنه عبيد وأن ملك هذه البلاد من نصيبه ومن نصيب أولاده إذا شاء الشعب أم أبى؛ فساعدت هذه الحالة الصحافة بشكل خاص حيث كانت تهاجم الخديوي أو السلطان أو الملك وتطالب بالحرية والاستقلال كل يوم مع عدم اهتمام الحاكم لاعتقاده الدائم بأن هذا غضب وكره عبيد طبيعي ليس له تأثير، ولكن لو أصابهم الشك يوما أن لهؤلاء أبطال الشعب تأثير على استقرارهم على عرشهم ومدة حكمهم لقيدوهم مانعين إياهم بشتى الطرق من أي بلبلة تثير الشعب.
وجرت المياه إلى أن وصلت الأحداث إلى الاحتلال البريطاني لمصر حيث لم يستطع أحمد عرابي مواجهتهم بسبب تعرضه للغدر من قبل عدد من الضباط وكذلك من ديليسبس الذي وعده بإغلاق قناة السويس أمام الإنجليز ولكنه سمح لهم بالمرور مع مناداة الخديوي توفيق إلى شعبه بعدم الوقوف أمام بريطانيا إلى أن تم الاستسلام ووقعت مصر في يد الاحتلال الذي استمر إلى عام ١٩٥٦ حيث تأميم قناة السويس على يد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر لتبدأ مصر مرحلة جديدة مليئة بالكوليسترول.
الجدير بالذكر أن الخديوي توفيق توفي في عمر الشباب حيث لم يبلغ الأربعين عاما وقت وفاته على عكس والده الخديوي إسماعيل الذي عاش بالخارج وتوفي بعد ابنه بعامين.
ويظل السؤال قائما هل كان الخديوي توفيق ظالما أم مظلوما؟ أكان هو السبب وراء ما حدث في عهده من مساوئ انتهت بالاحتلال؟ أم أن كل هذه تبعات ونتائج لأخطاء والده وهو فقط من تحمل عبئها في صدره في حياته وبعد مماته؟
لأنه في النهاية تم تأريخها كمساوئ حكم الخديوي توفيق.
التعليقات