لطالما رأيت الفرق بين المتفوق في الدراسة والمتفوق في التدريس .... بين من لديه القدرة على اكتساب المعرفة ومن يقدر على توصيل المعلومة .... لا يقف الأمر عند امتلاك مهارة التدريس من عدم امتلاكها ... بل يصل الأمر إلى مدى مجاهدة النفس التي تصعب العمل حيث تستثقل أن تقول معلومة مبسطة لا تُظهر ما عانيته من مجهود ودراسة إلى أن توصلت إليها .... وقليل من تمكن من عبور كل هذه الصعاب ليصل في النهاية إلى شخص مثقف سوي متسامح يعطيك المعلومة بدون انتظار رد للمعروف لأنه لا يراه معروفا بل واجبا ....
الشيخ محمد متولي الشعراوي .... واحد من أهم أصحاب الرؤى حول القرآن الكريم في تاريخ مصر .... كرس حياته لدراسة اللغة العربية ثم الفقه وبهما فسر معاني القرآن الكريم .... تميز بأسلوب مميز جذاب حيث كانت وجهته الأساسية هي توصيل معاني وتفسير القرآن الكريم للأمي قبل المتعلم بلغة سهلة سلسة سكنت العقول فسكن القلوب ....
نال احترام العالم الإسلامي بأسره بمواقفه الجليلة وراء الحق مثل موقفه من نقل مقام سيدنا ابراهيم (عليه السلام) ....
ولم يحصر نفسه في الدين فقط .... فوجدناه صامدا ظاهرا في العديد من المواقف السياسية في تاريخ مصر حيث قام بإلقاء قصيدة شعر من تأليفه في حفل تأبين شهداء مصر الذين لاقوا مصرعهم في نهر النيل في حادثة كوبري عباس الشهيرة عندما رفضت الحكومة آنذاك إقامة الحفل ....
رأي الفن مجالا كأي مجال آخر به الحلال والحرام .... برع في الشعر واستخدمه في بعض الأحيان لتوصيل معاني قرآنية .... وعندما طلب منه الفنان حسن يوسف والفنانة سهير البابلي النصيحة لم يطلب منهم اعتزال الفن بل نصحهم بحسن اختيار الأدوار .... وعندما حرم جميع الشيوخ أموال الفن عند اعتزال الفنانة شادية وطالبوها بالتبرع بكل أموالها .... قال لها الشيخ محمد متولى الشعراوي بأن تأخذ منه ما يوفر لها حياة كريمة مثلما اعتادت .... وأن تتبرع بالفائض عنها .... فهون الأمر على امرأة في كبرها لا تستطيع العمل وجني المال من جديد مع حاجتها للستر من طعام وعلاج ....
ما من إنسان مر بهذه الدنيا بدون رؤية كاره أو حاقد .... فهناك من عاصر سيدنا محمد (ص) وكذبه .... فلا مجال للاستغراب من تكذيب وكره أي إنسان آخر .... تعرض الشيخ محمد متولي الشعراوي إلى العديد من الانتقادات والاتهامات .... وعلى رأسهم مهاجمته لتصريحه بأنه سجد فرحا عندما علم بنكستنا في ١٩٦٧ ... وفسر ذلك قائلا بأنه لو انتصر المصريون في ١٩٦٧ وهم في أحضان الشيوعية لقامت فتنة بين المسلمين .... وفي مقابل ذلك سجد فرحا في انتصار ١٩٧٣ عندما كانت كلمة الله هي العليا ....
سيطر الخوف على الشيخ محمد متولي الشعراوي مثله مثل أي عالم جليل عاصر تلك الفترة حيث تكاثر الادعاءات والأقاويل التي أعدها الغرب وأكدها الأعداء حول شيوعية الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر .... فكان تصريحه ناتجا عن خوفه على الدين والمسلمين .... ولكن من المؤكد أنه لم يفرح لحزننا وهزيمتنا وحرقة قلوب المصريين جميعا ....
كان عالما جليلا رجلا قديرا متواضعا حتى في طريقة تقديمه لآرائه .... حيث لم يقل عن دراساته تفسير القرآن الكريم بل قال عنها خواطر حول القرآن الكريم وما نُشر باسم تفسير القرآن للشيخ الشعراوي كان بفعل محبيه بعد وفاته ....
رأيته صائبا أو مخطئا فهذا لا يغير من حقيقة أنه كان رجلا عظيما أفاد غيرك إذا لم تره مفيدا لك .... فوجب احترامه وتقديره واستمرار تقديمه إلى الأجيال الجديدة بكونه عالما دينيا جليلا ذا رؤية واضحة سامية ونية صافية بنفس خالصة إلى الله سبحانه وتعالي ....
وإلى لقاء قريب مهما بعد ....
التعليقات