إذا نظرنا إلى حياتنا السابقة لن نجد فترة مليئة بالمشاعر والأحاسيس المتضاربة أكثر من فترة الطفولة ... المرحلة الابتدائية مثلا .... ليس لندرة هذه المشاعر في الكبر بل لأنها كانت أول تجربة .... بداية تعرفنا على المشاعر ... الحب والكره .... معرفتنا بوجود علاقات أخري خارج نطاق العائلة .... بداية تصادمنا بالواقع الحقيقي .... بكوننا جيل أوائل الألفينات الذي أخذ من القديم والجديد .... آخر من عاصر حياة ما قبل الفيسبوك .... وأول من دخل إليه .... فأما عن الجيل الأصغر منا وبفضل الفيسبوك .... سبق له معرفة الواقع والمشاعر قبل تعلم الحروف الأبجدية ....
كثير مما عشناه في تلك الفترة نراه الآن سذاجة الطفولة وبراءتها .... وأول ما تعلمناه في علاقة الصداقة .... "عدو صاحبي عدوي" .... بدون تفكير ولا مبرر فكانت قاعدة غير قابلة للنقاش .... فكيف تكلم من خاصمه صديقك؟؟ ..... كان الأمر من قبيل الجدعنة لا أكثر .... ولكن على خلاف جميع القواعد التي تركناها عند الكبر ..... وجدنا تمسكنا بهذه القاعدة مع اختلاف النية ....
الأمر الآن بعيد عن الصداقة وأصولها .... الأمر الآن أمر قلب .... تجد نفسك تكره من يكره صديقك من حبك فيه .... وكأنه يؤذيك فيه ... فأصبح عدوك فكرة ومضمونا .... وينطبق هذا بالمثل على جميع العلاقات .... فقالها الكبار من قبل عن أصدق علاقة حب في حياتنا .... بين الآباء والأبناء .... حين قالوا إنهم يحبون من يكرم أبناءهم .... فمجرد حبك لابني ومعاملتك الحسنة له يجعلني أحبك ولو لم أرك من قبل .... والأمر سيان بين الأحبة .... فتجد نفسك تحب عائلته مثل عائلتك .... تحب من يحبه ولو لم يحبك .... تكره من يكرهه ولو أحبك .... على هذا تقوم العلاقات .... هكذا تكون العلاقات السوية ....
حينما تحب من قلبك ستتمنى لو كنت درعا لتحمي من تحب من الناس ومن نفسك .... أهلك إخوتك أصدقاؤك ..... ستخاف عليهم أكثر من نفسك .... ستخاف عليهم من شخص يؤذيهم .... من شيء يجرحهم .... من مجهود يأخذ من صحتهم .... لن يهونوا عليك .... ستريد أن تتحمل مسئولياتهم على مسئولياتك ولا أن تري أحدا منهم حزينا أو مريضا ....
فإذا أردت معرفة مقدار حبك لشخص ما أو مدى قوة علاقتك معه .... فانظر إلى عدوه أو من يكرهه فإذا رأيته بعين ساخطة فعلاقتك صحيحة سوية .... وإذا رأيته بعين راضية فانهِ علاقة ستؤذيك أنت ومن حولك ....
كن مع من لا تهون عليه .... مع من لا تشقي معه .... مع من تخفض صوتك معه .... مع من تهدئ من روعك معه .... مع من لا تخشي شماتة منه فتخفي عنه حزنك .... مع من تجد عنده الراحة .... فيكون الصديق والحبيب والونيس ....
الحياة رحلة .... طريق طويل لا تعلم منتهاه .... فاختر من يهونه عليك ....
اختر الصديق قبل الطريق ....
التعليقات