(الله شاء) كما أرادها شاعر (الأطلال) إبراهيم ناجى، وليس كما أرادتها أم كلثوم (الحظ شاء).
هكذا غنتها أصالة فى ختام حفل مهرجان الموسيقى العربية، إنه المقطع الأخير من القصيدة التى صارت عنوانًا لكل القصائد العربية المغناة، مزيج من أكثر من قصيدة لناجى انتقاها الشاعر أحمد رامى، واستبدل عددا من المقاطع، البداية (يا فؤادى رحم الله الهوى) وجدها رامى تشبه تعبيرًا يقال فى الجنازات (البقاء لله) وأحالها إلى (يا فؤادى لا تسل أين الهوى)، كما أن أم كلثوم لم تستسغ نهاية القصيدة (لا تقل شئنا فإن الله شاء)، فأصبحت (لا تقل شئنا فإن الحظ شاء).
أم كلثوم ترددت هذه المرة خوفًا من استخدام كلمة الله فى قصيدة عاطفية، لم يعترض الأزهر أو الرقابة على المصنفات الفنية، أم كلثوم هى التى تخوفت من ترديد اسم الله، وظل الجميع يرددونها بعد أم كلثوم (الحظ) مثل وديع الصافى، بينما أصالة أعادتها إلى دُنيا الشاعر إبراهيم ناجى (الله).
اقرأ المزيد ..
كان ملحن القصيدة، الموسيقار رياض السنباطى، يرى أنه وأم كلثوم قد وصلا للذروة ولن يقدما ما هو أعلى فنيًا، وبالفعل صنفت (الأطلال) مع الزمن باعتبارها قصيدة القرن العشرين، طلب السنباطى من أم كلثوم أن يصعدا معًا على خشبة المسرح ويعلنا الاعتزال، إلا أن أم كلثوم رفضت مغادرة الساحة الغنائية، وغنت بعدها له ولغيره، كما أن السنباطى عاش بعد رحيل أم كلثوم نحو 6 سنوات، ولم يتوقف عن التلحين، لوردة وفايزة وسعاد محمد، هل كان لزامًا على أم كلثوم تغيير الكلمة، التجربة العملية أثبتت (أن الله شاء) هى الذروة الصحيحة كبناء شاعرى، ولم يعترض أحد من المشايخ، على الأقل حتى الآن.
الغريب أن دار الأوبرا المصرية فى كثير من الأحيان تمارس سطوة رقابية، بدون أن يطلب أحد منها لعب هذا الدور، وهكذا وجدت مثلًا فى قصيدة (لست قلبى) للشاعر كامل الشناوى مقطع (قدر أحمق الخطى / سحقت هامتى خطاه) أحالها عدد من مطربى الأوبرا إلى (قدر واثق الخطى) على عكس تمامًا ما أراد كامل الشناوى، الإذاعة المصرية فى توقيت ما كانت تحذف هذا المقطع، تخوفًا من سوء التفسير، إلا أنها أعادته كما هو قبل أكثر من ربع قرن.
بين الحين والآخر نتابع أصواتا داخل الحياة الفنية تمارس بمنتهى القسوة سطوة على الفن، مثلًا أغنية عبد الوهاب (من غير ليه) كلمات مرسى جميل عزيز، فى نهاية الثمانينيات، دفعت الموسيقار عبد الوهاب ليجد نفسه فى مواجهة قضائية بسبب (جايين الدنيا ما نعرف ليه)، وتجدد ما حدث مع قصيدة (لست أدرى) لإيليا أبو ماضى التى غناها عبد الوهاب فى الأربعينيات، ولكن فى النهاية، انتصرت خيال الشاعر، على قراءة رجل الدين.
هل تُفتح الأبواب أم نشاهد تراجعًا؟، دكتور على جمعة، المفتى الأسبق، قال فى تسجيل شهير له إن أغنية عبد الحليم (أبو عيون جريئة) قيلت أساسًا فى مدح الرسول عليه الصلاة والسلام، وأن أصل الكلمات هى (روحولو المدينة/ محمد نبينا) استند إلى مقطع صوتى لعبد الحليم فى أحد البرامج، غنى فيه على نفس المنوال (روحولو المدينة / وشاهدوا وباركوا وعاهدوا نبينا)، كان عبد الحليم يدلل على نجاح الأغنية بأنهم فى الموالد أصبحوا يستبدلون كلماتها بالمدائح النبوية.
علينا ألا نستسلم لتلك الأصوات التى تريد بنا العودة للخلف دُر، وكلما أمكن نصحح أخطاء الماضى، مؤكد أن (الله شاء) كما أرادها ناجى، أعمق ألف مرة من (الحظ شاء) كما غنتها أم كلثوم!!.
التعليقات