في مرحلة ماضية من طفولتي، كان بعض ممن حولي يشفق علىّ لشدة ضعف بصري. هذا الشعور لم يكن شعورًا إيجابيًا بالمرة؛ دفعني الخوف الذي اكتسبته وقتئذ إلى عادة غريبة بالفعل على طفلة ذات سبع أعوام.
كنت أدرب نفسي على حفظ الأماكن والأشياء دون أن أراها، بل كنت أغمض عيني عند صعود وهبوط درجات السلم. حفظت عن ظهر قلب كل ما كان يخصني من تفاصيل دون أن أفتح عيني. كان ذاك الخوف الذي علمني!!
ثم كبرت ولم أفقد شئ كما كنت أظن، بل تركت تلك الفترة الفريدة في نفسي الوعي السليم لمواجهة الشدائد.
كل ما نختبره في دنيانا تفاصيل تصنع منك إنسان قادر على مجاراة الحياة بحِرَفية. كلنا نتعلم بالمشاهدة بالتجربة وبالمواجهة أحيانًا.
لعل أفضل ما يكسبك القدرة على مواجهة المصاعب هو الخوف، وأحب أن أطلق عليه "الخوف الرشيد".
هو نوع من المشاعر المضطربة التي تدفعك دائمًا إلى تعديل سلوكك على نحو ييسر لك تحمل متاعبك القادمة.
كلنا مختبرون بأقدارنا ومن ثَمّ مرزوقون بها. جعلني هذا الشعور لا أخاف على نفسي مطلقًا. أعطانا الله ميزة أن نعرفه، فأصبح لدي إيمانًا تامًا بأن هنالك دومًا من يحميني.
تركت تلك التجربة الفريدة بداخلي إرث من القوة ما زال يقيمني إلى اليوم. فلقد واجهت من العثرات كغيري ما كان كفيلا بتغيير مجرى حياتي ولكني لم أستسلم!
أقول دومًا لأبنائي "إن الله يبنينا". أتصور معهم نفسي حائط يتم تدعيمه كل يوم وباستمرار. يوميًا يضع الله سبحانه وتعالى من العثرات والمُبهجات في طريقنا بما يكفل الصلابة لبناء أرواحنا وضمان استقامتها.
فهل كلنا نمتلك القدرة والإرادة الصَلْدة لنُجاور بها كبوتنا؟ وهل يمكن أن تصادق آلامك؟ وكيف للموجعات أن تتأقلم عليها؟
الخوف الرشيد يجعلك تفعل كل ذلك دون أن تشعر. قد تفعل ذلك بالفطرة أو بالتدريب أو بالتعلم مُجبرًا.
في كل الأحوال نحن مطالبين بإضفاء الجودة على أيامنا مهما كانت التحديات التي تواجهنا.
تلك الجودة يا صديقي هي ما تضفي أريحية الحياة على عمرك، أوجاعك تطيب وتتكاثر وتظل أنت أقوى منها وأكثر قدرة على مواجهتها والتلذذ بالانتصار عليها.
هذا الشعور بنشوة القوة يمنحك الأمان التام عندما تتعثر وتسقط.
أنت قوي بقدر الصعاب التي اختبرتها وليس بقدر اليسر الذي تعيش فيه. إعمل حتى تصل لمرحلة أن تفتخر بنفسك وبأنك إنسان لا يقنط لا ييأس ولا ينهزم.
الحياة المصحوبة بقوة النفس ممتعة، والأيام التي تمر عليك وأنت تحمل إرادتك بين يديك، ثروة تتركها لمن خلفك؛ فميراث القوة خير وأبقى من ميراث المال.
كلنا نحب الحياة، لكن التَرَف الحقيقي هو منحة التواجد على قيد الأمل والمسّرة. لن أقف أمام الله بأموالي ومقتنياتي، بل سأقف بما صنعته إرادتي ونظرتي لكل ما اختصني به من عطايا وبلايا.
إحتراف تذكر أحزانك يجعلها صديق الصدوق. بعد انتصارك عليها تخلص من كل ما نبت في قلبك موجعًا.
لا تعش على فتات الدهر، أصنع من تلك اللقيمات وجبة تليق بحضورك في الدنيا.
ارحل بنفسك إليك وطبق بقوة وصبر "حي على الحياة".
لا تجامل ساعات عمرك إلا بأن تقضيها وأنت تصنع منها شئ ما جميل مختلف. كلنا نستحق جودة الحياة، لكننا لا نبذل من وعينا ما يقيم سواعدنا ليمنحنا حياة أكثر بهجة.
إجعل مناخ قلبك معتدل، وعدل مزاجك بأن تشد عضدك بما يقيم روحك محبة ممتلئة وزكية.
عِزة العمر أن تعيش بداخلك أولًا، ثم تنطلق لتحيا محبًا للآخرين.
يقول تعالى "وما يعلم جنود ربك إلا هو". أؤمن بشدة أن الإنسان أشد الجنود بسالة لنفسه أو عليها، فلو أردت أن تنعم بالعيش تلذذ أن تصنع في أيامك كتيبة السعادة.
التعليقات