لا يهم أبدًا من أين تعلمت اللطف، المهم أن تجيد صناعته وتصديره. أعرف الكثير من الأشخاص لا يعْلَقون في ذاكرتك رغم أن بداخلهم الكثير من الجمال؛ لم يكن لديهم العزيمة الكافية لإظهار اللطف الذي بداخلهم.
اعتادت أمي أطال الله عمرها، منذ وقت طويل وإلى الآن أن تحمل كيسًا من الحلوة في حقيبة يدها. رأيتها تعطي منه موظف البنك وعسكري المرور عند الإشارة وعامل الجراج. الابتسامة المشرقة التي خلفها هؤلاء علمتني الكثير عن الود في الحياة.
كذلك كان يفعل أبي أمد الله في عمره، فقد كان طبيبًا لامعا للأمراض النفسية. كنت أراه يوصل مرضاه بنفسه حتى باب العيادة الخارجي، يشد على أيديهم بقوة ويبتسم لهم من قلبه ويبشرهم عن يقين بقرب الشفاء وسهولته؛ كان ذاك دوائهم الشاف الحقيقي كما كانوا يعلنون لاحقًا.
عرفت اليوم أن هذا التلطف كان به من التواضع والجبر ما يلامس قلب المرضى ويعني لهم الكثير من الاطمئنان.
ليس كل التربية تعاليم وحزم وشد وجذب. هناك تعلّم بالمشاهدة؛ وهو التعلّم الوحيد الذي يجعلك ترى وتجيد استخدام اللطف في قلبك.
حتى طيوري منها الودود الذي يُصَفِر برقة فور وصولي، ومنهم من يسعد أن يأكل من يدي، كذلك منهم من يعض يدي وأنا أضع له الطعام.
كلنا نفرد اللطف بقدر حلاوة قلوبنا وحسن منشأنا.
اللطف … كلمة رشيقة الأحرف سهلة النطق ومحببة للنفس.
هناك شخص يتباهى بقدرته الفائقة على خوض المناقشات والانتصار فيها، والأسوأ من يتباهى بأنه شخص يُهاب في المجالس بسبب سلاطة لسانه وتَبَجُحه.
ألا إن أفضل ما تتباهى به هو أن تكون لطيف.
تلك الأشياء البسيطة الجميلة هي ما تصنع الفارق الحقيقي بين البِشر للقائك أو الهروب الكبير من مُجالستك.
لطف القلوب كالهواء، لا نراه لكننا ندرك جيدا أننا في أمس الحاجة إليه لنبقى أحياء.
تَبَسُمك في وجه من لا تعرف يجعلك خفيف الفؤاد مرحبًا بك داخل كيانك ومطمئن بأن لديك من اللطف ما يجعل الله ينظر إليك وقت حاجاتك.
أنا أسيرة لمن تلطف بقلبي ونادني بأسمائي التي أحبها. لا عجب أن من بين كل من نعرف هناك أشخاص بعينهم نفتقدهم ونظل نبحث عنهم، نفرد لهم من أوقاتنا الثمينة حلو التواجد وبرَاحة الأُنس.
وإن لم تكن من هؤلاء، فلن تراني كثيرًا.
علمتني الحياة أن سيتواجد معي الناس دومًا، لكني أفضل ذاك اللطيف الهادئ الحنون في صحبتي.
ألا إن وقت فراغي قليل، وإني لأُفضل أن أقضيه مع من يترفق بقلبي ويُحسن صحبتي.
لست بحاجة يا صديقي إلى مجهود مضنٍ لتكون إنسان ولطيف. تحتاج أن تبتسم في وجهي، أن تظهر محبتك، أن أرى وِدك واهتمامك وأن تترك ما في يدك وقت حاجتي لأشعر أنني أحد أهم أولوياتك.
وكل ما سبق يوهب ولا يطلب ابدًا.
خلاف ذلك أنت بَشَر كغيرك لك حسن الجوار ولي المأمن من غِلظتك.
يقول الكاتب "ديوك روبنسون" في كتابه (لا تكن لطيفاً أكثر من اللازم: كيف تتجنب تسعة أخطاء ضارة بك؟): "إفعل شيئاً من أجل الناس بلا استحقاق منهم، و امتنع عن الحكم عليهم بما يستحقون و بذلك تثري نفسك. أحبهم كما هم وطلبًا لمنفعتهم، و حينئذٍ سيكون الشخص الذي يحصل على أكبر منفعة هو أنت".
وكما لكل قاعدة شواذ فكن آدميًا مع من يستحق مودتك، واجعل مرورك كريم على من لا يستحقها. قدرتك على التمييز بين هذا وذاك فيها كل التقدير لذاتك.
هذا اللطف الخفي الغير متصنع ينزل كأطياف مرحة على قلب غيرك، فينتفع كلاكما.
يقول ليو تولستوي "لا شيء يمكن أن يجعل حياتنا أو حياة الآخرين أجمل مثل دوام اللُطف."
العَبُوس هو ارتدائك لملابس ضيقة خانقة طوال الوقت إلى أن تصل أن خلعها لا يذكِرك بالراحة؛ أنت من اعتدت التضييق على نفسك.
ونعم، أنا المستفيد الأول والأخير من بشاشة قلبي. لا أحب أن أمُر على أحد ويتكلم عن قلبي بسوء، فلطالما كان هذا القلب هو ما أرجو له العِفة والسلامة والأمن في الدنيا والآخرة.
وفي النهاية أنت صنيعة لطفك، فلا تنسى أن تصطحب معك كيس الحلوى أينما ذهبت.
التعليقات