رأيت على مدار عمري أُناس تعيش نصف حياة، نعم وأقل من النصف. هناك من يفتقد الزواج وأُنسه وهو متزوج، من يفتقد الأبوة وهو أب، من يفتقد الصحبة الآمنة والأنس وله الكثير من الأصحاب.
وهناك من يفتقد أن يكون ذو أثر لأنه نصف موجود.
هل تقبل أن تتزوج لنصف الأسبوع؟ هل تستطيع أن تنام نصف الليل فقط؟ هل تقوم من طعامك وأنت شبه جائع؟ كيف ترتوي بنصف كمية الماء التي تحتاجها؟ وعند استلام راتبك، أتحب أن تتسلم نصفه؟
إذن كيف لك سيدي أن ترتضي بنصف حياة؟ هل تتصور أن نصف بذرة تطرح شجرة مكتملة؟ وأخيرا هل ركوبك سيارتك لمنتصف الطريق لبيتك، سيصل بك إلى مبتغاك؟
سؤالات أرقتني كثيرا فقد قضيت عمري وأنا أرى من يقبل بنصف كل شيء وهو لا يدري. كان ولا يزال الغائب الحاضر في نفسه.
قليل من الناس حولنا من يهتم بفعل الشيء مكتمل، سواء في عمله، بيته، مع أصدقائه أو في حياته الشخصية.
كلمة " Perfection" تعني النموذج المكتمل، كم شخص تعرفه يحرص عليها.
الجودة المكتملة في حياتنا شبه مفقودة في العمل والحب والصداقة ومعظم مناحي حياتنا.
اعتدنا عدم الاكتمال حتى أصبحت صناعة الجودة تدقيق خانق لكثير من الناس.
زيجات تبدأ وتنتهي ولا تكتمل لأن اختيارك كان منقوصا من البداية. أطفال يولدون ويشِبّوا دون اكتمال تربيتهم، لا أحد يفرد جهدا كافيًا لإتمام فعل التربية في أبنائه. أصبح الشباب ذوي الأخلاق الرفيعة عملة نادرة في زماننا، وعزف الكثير منهم عن الزواج لعدم وجود النصف الآخر الملائم ليكتمل به.
أين "وذلك ليطمئن قلبي في حياتنا"؟
جملة تأتي مقام الفعل في حياة القليل من الناس، واعتدت أن أحدث نفسي بها كثيرا، فتُخيفني.
لا يعي قوتها إلا من اعتاد أن يتم كل شيء يمر به بجودة ولا يقبل بإنهاء الأشياء منقوصة.
لا أحد يضع اطمئنان قلبه على دربه دستورًا. الكل يسعى ويلهج وينتهي إلى خواء لا علاج له بعد تشبع حياته بنواقص يعجز عن سد احتياجاته منها.
هل فعلا تؤدي لِتُتِم، أم لتسقط بعض من واجباتك؟
كلمات من صنف: " اهي ماشية، وأنا أعمل إيه ولا إيه، يا عم ارحمنا كفاية اللي احنا فيه، أصل الكلام سهل"، وقاموس طويل من الكلمات التي تسمعها كل يوم إذا قررت نصيحة من تحب.
وعيت هذا الدرس وأنا بعد في سن صغيرة. فقد رزقت من الأبناء ثلاثة، ولم أجد وقتا كافيا لاستمتع بأمومتي كاملة رغم شدة حبي للأطفال، ولأطفالي على وجه التحديد. كنت شِبه زوجة، شِبه أم، شِبه معيدة، شِبه طالبة ماجستير ودكتوراه، شِبه ابنة، شِبه صديقة وشِبه إنسان.
رغم ذلك أصررت بقوة أن يكون كل ما سبق مكتمل ما استطعت.
لسنوات طويلة عانيت بشدة في معادلة عنيفة لأكتمل بنفسي وبمن أُحب حتى أكمَلَنا الله بفضله.
لماذا لا نربي أبناءنا على إكمال العمل وإتمامه؟ لماذا نتخاذل في تقبل مسؤولياتنا تجاه من ينتمي إلينا؟ أليس حمل الماء في زجاجة يحفظ الماء متى احتجته، أم تفضل شرب بضع قطرات من يديك وتسريب الباقي ومن ثَم فقدانه؟
لمن سيدي نترك دورنا في حياتنا؟
تَواجد في حياتك فقد اشتقنا إليك!
يؤرقني بشدة أنصاف الأشياء، أنصاف الحلول، وأنصاف المحبة. نصف الحب سيجعلك تبحث دوما عن إكماله، أليس كذاك؟
لن تكفيك أبدًا نصف الأشياء، أنت تحتاج الكل، وإن كان الكمال لله سبحانه؛ لكنك مطالب بإضافة صفة الكمال في حياتك لتنجو.
يقول جبران خليل جبران: "النصف هو أنت، عندما لا تكون أنت.. لأنك لم تعرف من أنت، النصف هو أن لا تعرف من أنت.. ومن تحب ليس نصفك الآخر.. هو أنت في مكان آخر في الوقت نفسه".
إذن لتنجح وتستثمر عمرك، تحتاج كامل حضورك، أن تتحرك بنفسك كلها ولا تترك جزء منك في مكان آخر. لن تُقبَل في دنيانا ما لم تكتمل بنفسك، بقوتك، بحضورك الطاغي والإصرار على بقائك مكتملا بما تُتِم.
نصفك الآخر هو الجزء الآخر من الحياة التي لم تعِشها بعد، وقد يكون هو الجزء المشرق منها.
الحقيقية الكاملة فقط هي ما تمكنك من إنجاح أفكارك وقراراتك، وكذلك أنت. فإذا أتيت اِحضر بقوة فأنت لست نصف إنسان، ولن ترضيك نصف حياة.
التعليقات