هل تعلم أيها المصرى الأصيل أن أجدادك الفراعنة هم أول من احتفل بعيد رأس السنة، والحقيقة هى ليست رأس سنة واحدة، وإنما هى ثلاثة رؤوس لمصرنا المدهشة، نحن نختلف عن الآخرين، فهناك رأس السنة الميلادية، التى تبدأ مع أول نهار لشهر يناير، وهناك أيضًا رأس السنة الهجرية، التى تتبلور فى اليوم الأول من شهر المحرم، وأخيرًا رأس السنة الفرعونية التى تشرق مع شمس 11 سبتمبر من كل عام.
وبعيدًا عن كونه نفس ذات اليوم الذى تعرضت فيه أمريكا لهجمات إرهابية أطاحت ببرجى مركز التجارة العالمى بمانهاتن ومقر وزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون، فالفراعنة ليست لهم علاقة من قريب أو من بعيد بنسل الأغراب دول، المهم أن هذا التاريخ يعلن بداية التوقيت الفرعونى لعام 6255 الذى يسبق نظيره الميلادى بأكثر من 5000 عام، وقد اعتاد المصريون القدماء الاحتفال بهذا الرأس وأطلقوا عليه اسم (نى – يارو)، وتعنى يوم الأنهار، الذى هو ميعاد اكتمال فيضان نهر النيل، سر الحياة، وقد تغير الاسم فيما بعد إلى نيروز، وهو العيد الذى كان أول يوم فى السنة الزراعية الجديدة، فعيد النيروز هو تراث ثقافى مصرى قديم والسنة الفرعونية هى سنة شمسية مرتبطة بالنجوم ومقسمة إلى 12 شهرًا، وبكل شهر 30 يومًا ثم تليها خمسة أو ستة أيام لتكملة باقى السنة، أما عن شهور السنة القبطية وأمثالها الدارجة فهى كالآتى.. شهر توت ومثله الشعبى (إروى ولا تفوت)، وتفسيره أن الرى حتى لو كان كثيرًا لا يضر الأرض.
وشهر بابه ومثل الشعبى (خش وإقفل الدرابة) وتفسيره أغلق الأبواب والنوافذ جيدًا استعدادًا لقدوم الخريف. وشهر هاتور ومثله الشعبى (إن فاتك هاتور اصبر لما السنة تدور)، وتفسيره اصفرار القمح فى الحقول يعلن عن قرب حصاده فاصبر. وشهر كيهك ومثل الشعبى (صباحك مساك فى كيهك شيل إيدك من غداك وحطها فى عشاك)، وتفسيره قصر النهار فى هذا الوقت من السنة. وشهر طوبة ومثله الشعبى (طوبة يخلى الشابة كركوبة)، وتفسيره أن شدة البرودة فى هذا الفصل تجعل الصبية مثل العجوز نتيجة الانكماش من الصقيع. وشهر أمشير ومثله الشعبى (أمشير يفصص الجسم نسير نسير)، وتفسيره أن رياحه العاتية تكاد تمزق الجسم. وشهر برمهات ومثله الشعبى (فى برمهات روح الغيط وهات)، وتفسيره خصوبة ونضارة ثمار المحاصيل المتنوعة. وشهر برمودة ومثله الشعبى (فى برمودة دق العامودة) وتفسيره بدء تجهيز القمح بعد حصاده.
وشهر بشنس ومثله الشعبى (بشنس يكنس الأرض كنس) وتفسيره خلو الحقول من آثار زراعتها بعد الحصاد. وشهر بؤونة ومثله الشعبى (فى بؤونة تنشف الميه من الماعونة)، وتفسيره أن المياه تتبخر من الأوانى نتيجة شدة الحر، وأخيرًا شهر أبيب ومثله الشعبى (فى أبيب العنب فيه يطيب) وتفسيره شهر حصاد الكروم الطازجة، وهذه الشهور للعلم مازالت مستخدمة فى مصر، ليس فقط على المستوى الكنسى وإنما فى الحياة العامة، ويحفظها الفلاح المصرى الفصيح عن ظهر قلب.
وجدير بالذكر أن العَلاّمة توت هو الذى وضع التقويم المصرى القديم، كما اخترع الكتابة، وتقديرًا له بدأت أول شهور السنة باسمه، أما عن طرق احتفال المصريين القدماء برأس السنة، فكانت تتجلى أولًا فى صنع الكعك والفطائر ثم الخروج إلى الحدائق والمتنزهات فى الأيام الخمسة المنسية من العام التى تبدأ بزيارة القبور لإحياء ذكرى، موتاهم حاملين سلال الرحمة ويختمون اليوم بالرقص على أنغام الطبول تتخللها الألعاب والمباريات والسباقات التى تفننوا فى ابتكارها، ومن أكلاتهم المفضلة فى هذه المناسبة بط الصيد والأوز والأسماك المجففة.
أما المشروبات المحببة فكانت عصائر العنب بكل ألوانها وأنواعها، ومن التقاليد الإنسانية التى سنها القدماء خلال الاحتفالات هى تناسى الخلافات والمنازعات والضغائن مع إقامة مجالس للمصالحات بين العائلات المتخاصمة تُحل فيها كل المشاكل بالصلح والصفح، أيضًا كان عيد رأس السنة القديمة يشهد كرنفال الزهور الذى ابتدعته كليوباترا بعد جلوسها على العرش، وقد خلدت هذا العيد النيروزى تحت شعار يوم جديد وبداية مفرحة تستمر إلى الأبد... آمين.
التعليقات