استيقظت صباح أحد الأيام ووجدت أولادي يبحثون عن السلحفاة التي تعيش معنا منذ سنوات عديدة.
انقلب البيت رأسا على عقب، نبحث سويا أولادي الثلاثة وأنا.
لم نترك ركن في البيت إلا وبحثنا فيه. ثم بدأت الهواجس تعبث بعقولنا، هل يمكن أن يكون قد سقط من الشرفة؟
أطْللنا برؤوسنا من الشرفة فربما نجد له أثرًا، ولكن بلا فائدة.
فجأة تسمر ابني في مكانه مذهولاً ومناديًا أنه أخيرًا قد وجده، هرولنا جميعا في تجاهه إذا بنا نراه على "البوفيه".
نعم، وجدنا "فرانكلين" السلحفاة المنزلية على "البوفيه".
ساد صمت تام، وتلاقت أعيننا الحائرة، كيف لسلحفاة أن تصعد سطحًا أملسًا ارتفاعه يتعدى المتر؟
بدأت المخاوف تطل على رؤوسنا دون أن نتحدث، كل منا يرى أن الأوان قد حان للانتقال لبيت آخر؟ هل البيت مسكون؟ هل يمكن للسلحفاة أن تطير؟ ما هذا الرعب؟
لم نَستغرق سوى ثوانٍ معدودة، إلى أن تحدث صوت المنطق وتذكرت ابنتي أنها تركت حقيبتها بالأمس في الشرفة وادخلتها ليلا. ما كان ببساطة أن "فرانكلين" دخل فيها وبقي كذلك، وفي الصباح تجول على سطح "البوفيه" حتى وجدناه.
حكاية طريفة، أليس كذلك؟
تطل علينا يوميا مواقف عديدة مثل حكايتنا تلك، ترى كم فرد منا يجيد استخدام عقله أولا عندما يتعامل في أمور حياته يوميًا.
لن تستطيع سلحفاة أن تجعلني أفكر بالمنطق، بل يجب على عقلي أن يرشدني للطريق القويم.
اللحظة التي تستعيض فيها عن المنطق الطبيعي في التفكير وتركن لهواجس هوجاء تبادرت إلى ذهنك، هي أولى لحظات السقوط للهاوية.
عرفت العديد من الناس ممن لا يركن إلى المنطق والحكمة في تعاملاته مع الآخرين.
أحيانا نتعرض لمواقف خلاصنا الوحيد فيها هو أن نحتكم للعقل والمنطق؛ والمدهش أننا لا نفعل!
الغريب حقا استماتة البعض في الدفاع عن منْطِقُه المغلوط طوال العمر.
الأسوأ من كل ما سبق، أن تستمر طوال عمرك تخسر وتزداد خسارتك وأنت لا تدرك أن سلوكك قد يكون السبب.
كيف أفسدت نفسك لهذا الحد؟
لم تعتاد استخدام عقلك!
العقول الصلدة صَدِئة لا يصلح معها تجميل.
إن لم تُجبر نفسك على استخدام عقلك، تبرع به، فلن يُنتفع منك أبدًا.
خلق الله لنا كل جزء في أجسادنا لمنفعة جَلية، فتجاهل استخدام عقلك كجزء فعال في جسدك، سيجعل منك أضحوكة كلما مر بك العمر.
الأخطاء التي يمكن أن تُتَقَبل منك لصغر سنك وقلة خبرتك، تصبح غير مقبولة إطلاقًا كلما ازداد نضجك، وتُحولك في النهاية إلى شخص ينفر منه الجميع.
تجربتي في استخدام عقلي بدأت متأخرا، نعم متأخرا، فقد اعتدت التفكير بقلبي حتى هَرِم.
ولعل من مساوئ استخدام قلبك بديلا عن عقلك، أنك ستظل تفعل يوميا ما لا يليق بقلبك كمُضغة تستحق العناية الفائقة. وكلما مرت عليك الأيام ستكفُر بثوابت عشت عمرك كله تدافع عنها. أليس هذا هو الخسران الحقيقي؟
تعلمت أخيرا على كبر كيف استخدم عقلي أولا، ولا أخجل أن أعترف بذلك!
أجمل عيوبك، إن جاز التعبير، هي ما تُمَكِنك من أن التطور للأفضل.
نعم الأفضل، فلا يليق بالإنسان أن يستمر طوال الوقت في تجاهل ما يليق بعُمره وقبول ما لا يرتضيه لنفسه.
القلب عضو الحنان والرحمة أودعك الله إياه ليضفي الوئام على علاقاتك الإنسانية. أما عقلك فهو خط الدفاع الأول والأخير عن كل ما يختص بعمرك، فكيف تتجاهل أن تجعله في الصدارة؟
تعودت أن أرى الحكمة وراء الأشياء واعترف أني أجيد ذلك منذ الصِغر، ولكن ذلك لا يكفي بالمرة.
العبرة الحقيقية من رؤيتك للحكمة، أن تجيد توظيفها في حياتك مستخدما عقلك، ثم يأتي دور قلبك ليُملي عليك أين تبقى وكيف تستمر.
أخيرا أصدقائي الأعزاء، لا تستصغروا أحدًا أبدًا، حتى لو كان سلحفاة تُحبها تسمى "فرانكلين".
التعليقات