إن الرقص طريقة سهلة لتحسين مزاجك وقدرتك على التكيّف مع تحديات الحياة لما له من إيجابيات واضحة ‏في خروج الطاقة السلبية من الإنسان على هيئة المجهود المبذول في الرقص.

حديثي اليوم عن رقصة أخصها بالذكر لما لها من فوائد تفوق إخراج الطاقة السلبية، عن التانجو أتحدث.

‏تعد رقصة التانجو الأرجنتيني إحدى أشهر الرقصات في العالم وهي جزء أصيل من فن الرقص وقد أعلنت منظمة اليونسكو أدراج التانجو ضمن قائمة التراث العالمي المعنوي.

 أساس هذه الرقصة أنها تتم بين رجل وأمرأة متقابلين حيث يمسك الرجل باليد اليمنى للمرأة بيده اليسرى بينما يكون الذراع الأيمن له يطوقها ويقال أن أكبر مجموعة ساهمت في تطوير التانجو هم الأكثر فقراً والمعدمين والمحرومين حيث أن رقصة التانجو ولدت في مواخير بيونس آيرس.

‏في العصر الحديث يُنظر للتانجو على أنه أكثر من مجرد رقصة رشيقة ويرونه بمثابة منهجية للأدارة في المؤساسات والشركات. 

لذا عكفت شركات عديدة في السنوات الماضية على أدراج تعليم التانجو من ضمن أستراتجياتها الخاصة بالتوظيف لما له من جوانب ملموسة في تعزيز التواصل الأجتماعي وتحسين أداء الفريق خصوصاً في الشركات الناشئة وهي الخيار الأمثل لما لها من طبيعة أنها تتغير وتتحرك بسرعة وتعيد تطوير نفسها بأستمرار، لذا كانت رقصة التانجو فيها مثال حي لعمل الفريق.

 في رقصة التانجو يعتمد كل شيء على تجانس الشريكين ويجب على قائد الرقصة قيادة شريكه للإستمرار في متابعة الرقص و القيام بالخطوات الصحيحة وعلى شريكه تلقي المعلومات وتنفيذها وبناء علي الرابطة بين الشريكين تستمر رقصة التانجو. 

في مقابلة مع أحد المديرين التنفيذيين لشركة كبيرة قال:

' أن كل ما تعلمته عن الأدارة والقيادة تعلمته في أستديو الرقص …نعم عندما كنت طالباً مبتدئ في رقصة التانجو الأرجنتيني قبل عشرون عاماً كنت أعود إلى المنزل وأفكر في كمية التفاعلات الصغيرة في هذه الرقصة المطبقة على الحياة اليومية، كالقدرة على التواصل والتكييف والعمل الجماعي بين الشركين' .

 أن طريقة التعامل بين قائد الرقصة سواء كان رجل أو امرأة يصنع مساراً حاسماً ويجعل قائد الرقصة وشريكه فريق عمل متحد في القرارات مما يجعل خطواتهم مرسومة ومتوازنة وعلي نفس الوتيرة.

في التانجو وجود القائد القادر علي بناء روابط الأتصال البصري لا يقل أهمية عن وجود الشريك الذي في ظل قائده يخرج لنا برقصة جميلة ورشيقة .

يكمن جوهر التانجو في التفاعل المتعاقب والمستمر بين القائد والتابع حيث يحتضن كل منهما دوره ويتأكد أنه ليس تابعاً فقط بل هو طرف في فريق متعاون ونشيط ومتابع سلس للقائد الذي أخذ زمام المبادرة.

  أن هذه العلاقة ثنائية متبادلة فكل منهم شريكاً أساسياً مسؤل عن رقصة رائعة سيستمتع بها من يشاهدها .

بالربط بين رقصة التانجو والعمل كفريق أو ما يسمى بال team work نرى في الكثير من الأحيان عند التدريبات أن عند مواجهة التابع أي معضلة يكون القائد دائماً مسؤل عن شريكه في الأخذ بيده لأتقان الخطوة ويظهر جلياً هنا أن هذه فرصة لكلا الطرفين ليحول كل خطأ إلى فرصة للنمو والتعلم. وكما تكون المسؤولية متساوية يكون كذلك النجاح مشترك.

أن رقصة التانجو حالها كحال العمل في الشركات حيث تكون الثقة بين الشريكين مهمة جداً للخروج بالنتيجة النهائية أو النجاح سوياً end to end .

‏ ‏ كلما تُذكر رقصة التانجو أمامي يأتي في عقلي مباشرة ذلك المشهد التاريخي الأشهر في هوليود لرقصة التانجو في فيلم عطر أمرأة حين لعب العبقري آل پاتشينو ‏دورة مقدم أعمى متقاعد يمر بحالة من اليأس والأحباط بعد فقدانه لبصره وفي أثناء حفلة قام برقصة تانجو مع فتاة جميلة .

في هذا المشهد نرى آل باتشينو وقد لفت إنتباهه العطر التي تضعه الفتاة فأخذ يصفها وكأنه يراها بعينيه، ثم نهض فجأة وذهب إليها ليسألها بلباقة أن تشاركه رقصة، لكنها تمتنع بحجة أنها لا تجيد الرقص على أنغام التانجو فقال لها بأسلوب جذاب محاولاً إقناعها : ' لا أخطاء في التانجو عزيزتي، التانجو ليس مثل الحياة، إن أخطأت فقط أكمل الرقص 'ً.

وتعد هذه الجملة من أجمل الجمل الحوارية في السينما علي الأطلاق وهي بحق تمتد لتجعل من التانجو أكثر من مجرد رقصة - أنه أسلوب أدارة وحياة.