يعيش مهرجان (الجونة) تحت وطأة ظرف قاسٍ لاتهامات انهالت عليه، ولاتزال، تتشكك حتى فى انتمائه الوطنى، والجريمة التى يحاكم عليها أنه اختار فيلما مصريا اعترف به العالم وحصد أكثر من جائزة، لتنشط على الفور عند البعض نظرية المؤامرة الكونية ضد الوطن.
الحقيقة التى يلمسها كل من يتابع المهرجان أنه استحوذ على قسط وافر من الأفلام المهمة، إلا أن من سرق الكاميرا هذه المرة أكثر من الفساتين هو فيلم (ريش) بعد أن نال صُنّاعه كل أنواع الاتهامات، الفساتين جزء من الحالة المصرية، صارت على (السوشيال ميديا) نكتة موازية للحدث السنوى، ولا بأس من التعامل معها فى هذا النحو لتصعد إلى مصاف (التريند)، إلا أن الاتهام بتعمد الإساءة للوطن هو الكابوس المؤرق للجميع، الذى استحوذ- ومع الأسف أيضا- على (التريند)، وبعض ممن لم يتح لهم مشاهدة الفيلم اعتبروه دليلًا ملموسًا على الخيانة والعمالة.
الغريب أن الغضب لم يكن مصريا فقط، هناك أيضا غضب مغربى، مشروع هذه المرة، عندما تجاهل حفل الافتتاح التنويه إلى كل من الفنان «ريد وان» والملحن «نعمان بلعياشى» على الأداء المميز. كان هناك قطعًا ارتباك فى الحفل ومشكلات تقنية وإخراجية فى الأغنية التى شارك فيها محمد رمضان، كما أننى لم أجد مبررا لها فى الافتتاح المتخم أصلا بالعديد من الفقرات، فاضطر لإصدار بيان لامتصاص الغضب.
ونأتى للبيان الثانى عن فيلم (ريش).. القضية مطروحة على مائدة الإعلام، كانت ولاتزال وأظنها ستظل واحدة من الحالات المتكررة فى السينما بل الفن عموما، وكثيرًا ما ألقى البعض بتلك الطلقات العشوائية (الإساءة لسمعة الوطن) فى وجه كل من أختلف معهم.. بل وصل الأمر عندما تتم دعوة مطربى (المهرجانات) إلى حفل بإحدى الدول العربية إلى أن نعتبرها إساءة متعمدة، تعنى أن هناك من يريد النيل من الفن الغنائى المصرى.
بيان المهرجان عن الفيلم مجرد تبرير يوضح لماذا شارك، ليرفعوا عن أنفسهم الحرج وكأنها جريمة، رغم أن الجريمة هى أن نغفل مشاركة فيلم مميز حصد أكثر من جائزة. تعودت كل المهرجانات العربية أن تسارع بالتفاوض مع صناع أى فيلم عربى لمجرد أنه شارك فى مهرجان دولى، فما بالكم أنه مصرى وحصد أكثر من جائزة استثنائية!.
المهرجان فى بيانه التبريرى يتعامل مع نفسه كمذنب ينفض يده من جريمة ليبرئ ساحته من العار. يشير البيان إلى أنه يعرض فيلما لديه تصريح رقابى، ومخرجه أيضا تم تكريمه رسميا من الدولة.
هل كان المهرجان بحاجة- لو كنا فى ظرف آخر- إلى كل تلك المبررات التى تؤكد إحساسه بجريمة لم يُقدِم عليها وذنب لم يقترفه؟!.
من الممكن أن يقدم المهرجان فى دورته القادمة واحدا من دروسه عنوانه: (كيف تقرأ الفيلم؟)، يشير فيها إلى أن العمل الفنى لا يتحدث بالضرورة عن اللحظة ولكن عمقها، وعندما يقدم امرأة فقيرة وحولها دائرة من البشر قساة القلوب فهو لا يحكى عن مصر، ولكن حالة محددة بالزمان والمكان والظروف.
أحال عدد من الفنانين الاتهامات المتلاحقة فى الذمة الوطنية لزملائهم فأصبحوا مذنبين عليهم إثبات براءتهم، فاضطرت إدارة المهرجان لإغلاق القوس وإصدار هذا البيان الذى يحمل فى طياته مذاق الاعتذار، ولا أظنهم قد نجحوا، علينا أن ننتظر فيما يبدو تداعيات أخرى.
التعليقات