قبل نحو عام، كتبت هذا العمود عن أستاذى د. فوزى فهمى، الذى غادرنا أمس الأول، أدخلت الكلمة السعادة فى قلبه، رغم أنها مجرد وردة، بينما هو يستحق بستانًا من الورود.
«أمس أطفأت له شمعة ودعوت الله أن يطيل لنا فى عمره، أتحدث عن واحد من أقرب أساتذتى إلى قلبى د. فوزى فهمى.
الأكاديمى والكاتب المبدع، الذى وصل لأعلى المراتب فى الدولة، وتبقى أحب صفة له (الأستاذ)، يقولها بكلمة عامية لم تعد تُستخدم (خوجة)، مدرس، ولا أدرى بالضبط أصل الكلمة ولكنها الأقرب إليه، حتى الآن لا يزال يجد (الخوجة) فى محاضراته التى يلقيها لطلبة السنة الأولى بمعهد المسرح أهم موعد غرامى فى حياته.
عرفت د. فوزى وهو يشغل موقع عميد معهد الفنون المسرحية، فى بداية مرحلة التدريب بمجلة (روزاليوسف) نهاية السبعينيات بالمسرح (العائم)، فى تلك الحديقة، كنت تجد كل فنانى مصر عادل إمام ومحمود عبد العزيز وأحمد زكى ونجلاء فتحى وسناء جميل وسميحة أيوب، وتعثر أيضا على الشباب الجدد من الموهوبين والموهومين، مخرجين وإعلاميين ورجال صحافة، كان الراحل الأستاذ الكاتب والفنان التشكيلى عدلى فهيم المشرف الفنى على مجلة (روزاليوسف) يصطحبنى معه، وتعرفت على د. فوزى، انتهى لتوه من كتابة مسرحية (عودة الغائب) بلغة شاعرية رفيعة، وبين الحين والآخر يقطع الصمت ويشرع فى إلقاء مقاطع من الحوار.
كتب بعد ذلك للمسرح (الفارس والأميرة) و(لعبة السلطان)، تدرج فى المناصب ووصل إلى أهمها وأرفعها؛ رئيس أكاديمية الفنون، استطاع أن يحدد علاقة المثقف بالسلطة فى أرقى معالمها، لم يقف على الجانب الآخر من الدولة، إلا أنه كان ينحاز للحق، الخط الأحمر، ألا يصل مع السلطة لمرحلة العداء، فهو يعلم كم هى قاسية جدا، إلا أنه لم يبع مبادئه، (ترمومتر) دقيق يحركه مؤشره فى انحيازه للمثقفين، وفى نفس الوقت يأمن غضب السلطة.
بطبيعة تكوينه لا يبحث عن ضوء، وتلك الميزة، كان لها فعل السحر فى علاقته مع فاروق حسنى وزير الثقافة الأسبق، تركيبة فاروق (النرجسية) تجعل الاستحواذ على الضوء وسرقة الكاميرا واحدًا من أهم ملامحه، اصطدم فاروق مع رجال فى الوزارة يعشقون الضوء وتبحث عنهم الكاميرات مثل الأساتذة د.زاهى حواس ود. سمير سرحان ومحمد سلماوى، بينما مع د. فوزى، لم يحدث أبدا هذا النوع من التوتر.
اسم د. فوزى يعنى الثقة والموضوعية، أتذكر مثلا فى نهاية التسعينيات كان مسؤولا عن لجان التحكيم فى مهرجان (الإذاعة والتليفزيون)، وحدث تزوير فى لجنة السينما، التى أشارك فى عضويتها، حصلت نجمة كبيرة على جائزة ليست لها، وهى بالمناسبة صديقته، سألته هل يشهد معى بالتزوير، فلم يكتف فقط بالشهادة، بل أرسل وقتها لرئيس المهرجان اعتذاره عن عدم الاستمرار فى رئاسة لجان التحكيم.
ظل يرفض على مدى 30 عاما ترشيحه لجوائز الدولة طالما لا يزال يشغل مواقع قيادية فى وزارة الثقافة، وبعد أن صار بعيدا عن تلك المواقع، ظل على موقفه، رغم جدارته بأرفعها جائزة (النيل).
د. فوزى كل سنة وأنت تملأ حياتنا بوميض نتوق إليه كثيرا، المثقف الوطنى الذى لا يتوانى فى الدفاع عن حق زملائه فى التعبير، مستعينا بـ(ترمومتر) زئبقى يجد منطقة آمنة ترضى الدولة ولا تخون قضايا المثقفين!!».
التعليقات