(ما حققناه في أحد عشر يوماً من أهم وأخطر بل وأعظم وأمجد أيام التاريخ وربما جاء يوم نجلس فيه معاً لا لكي نتفاخر ونتباهي ولكن لكي نتذكر وندرس ونعلم أولادنا وأحفادنا جيلاً بعد جيل، قصة الكفاح ومشاقه .. ونروي ماذا فعل كل منا في موقعه، وكيف حمل كل منا أمانته وأدى دوره، كيف خرج الأبطال من هذا الشعب وهذه الأمة في فترة حالكة ساد فيها الظلام ليحملوا مشاعل النور)
هذا مما قاله الرئيس الأسبق أنور السادات في مثل هذا اليوم منذ 48عاما حيث لخص الخطاب الذي القاه بمجلس الشعب يوم 16 أكتوبر 1973م، معالم انتصار السادس من أكتوبر العاشر من رمضان، كما عرض رؤية مصر الحضارية للحرب والسلام قائلا:(حاربنا من أجل السلام الوحيد الذي يستحق وصف السلام، وهو السلام القائم علي العدل)
وفطن السادات مبكرا الى أن القوة وحدها لا تحقق السلام:(الخطأ الكبير الذي وقع في عدونا إنه تصور أن قوة الإرهاب تستطيع ضمان الأمن ولقد أثبت عملياً اليوم وفي ميدان القتال عقم هذه النظرية.السلام لا يفرض وسلام الأمر الواقع لا يقوم ولا يدوم، السلام بالعدل وحده، والسلام ليس بالإرهاب مهما أمعن في الطغيان)
هذه الرؤية المصرية الحضارية لقضية الحرب والسلام، تعتبر واحدة من معاني ورسائل انتصار أكتوبر المجيد، وهناك زويا أخرى عديدة وقصص مبدعة لقيمة هذه المعركة الفاصلة ولعظمة شعب وجيش توحدا في حب الوطن . ولكن للأسف حتى اليوم لم يتم تجسيد هذه المعاني بالشكل الذي يليق بالحدث، أكتوبر ليس مجرد ذكرى أو انتصار ، وإنما روح تسري في جسد الأمة علينا الحفاظ عليها حية متدفقة في معركة التنمية وإعادة بناء المواطن المصري.
بعد عامين تحتفل مصر والوطن العربي باليوبيل الذهبي لنصر أكتوبر، فيجب أن نعد من اليوم لهذا الحدث الكبير ببرنامج متنوع يتضمن شرح أبعاده للأجيال، ورسالة مصر ورؤيتها للعالم ، بخاصة في هذه الأوقات التي نوجه فيها تحديات خطيرة تهدد شريان الحياة في مصر. وهناك مجالات متنوعة للاحتفال بهذه المناسبة العظيمة انطلاق من تنوع الزوايا التى تم من خلالها تحقيق هذا الإنجاز ، بدءا من التخطيط الاستراتيجى وسياسة التمويه غير المسبوقة، ومرورا بالبطولات العسكرية التى أبهرت العالم، وانتهاء بالمعركة الدبلوماسية الناجحة، لاستعادة بقية ارضنا.
ولدينا في معركة العبور قصص بطولية متعددة سواء في الشق العسكري أو المدني، لا تقتصر على الابتكارات التي أحدثت فرقا في المعركة مثل استخدام الشفرة النوبية، التي اقترحها الصول أحمد إدريس، أو استخدام المياه في فتح خط بارليف للواء مهندس باقي زكي يوسف.
وإنما هناك أيضا بطولات مدنية على الجبهة الداخلية التى شكلت جزءا مهما من ملحمة أكتوبر وجسدت ترجمة حقيقية لشعار (كلنا جنود) حيث تحمل الشعب الإجراءات القاسية لتحويل اقتصاد الدولة إلى اقتصاد حرب، وتم استغلال الطاقات المحلية، كبديل عن الاستيراد لتوفير العملة الصعبة. فقد اشترك فى المعركة، الى جانب الجندي، الفلاح والعامل والمعلم والمهندس، والطالب، والفنان، كل بقدر قدرته. وبعضهم قام بأعمال بطولية صبت مباشرة في المجهود الحربي، مثل الدكتور حمود يوسف سعادة بالمركز القومي للبحوث الذي تمكن من استخلاص 45 طن وقود لصواريخ الدفاع الجوي، من الوقود المنتهي الصلاحية ليحل مشكلة خطير حدثت قبل حرب أكتوبر بأربع شهور حيث إنتهت صلاحية هذا الوقود، بعد توقف الإمداد السوفيتي منه. ولا يمكن لحرب أكتوبر أن تبدأ بدون حماية حائط الصواريخ ، لذا اتجه السادات إلى العلماء المصريين المدنيين للبحث عن حل، فتقدم لهذه المهمة الدكتور محمود سعادة الذي توصل للحل خلال شهر ليصبح الجيش المصري جاهز تماما لحرب أكتوبر.
وغير ذلك العديد من الأمثلة التي تكشف عن معدن الإنسان المصري، لذا يجب التخطيط لليوبيل الذهبي على مستويات عديدة، وبخاصة فنيا وأدبيا. فلا يزال التعبير الفني عن انجاز أكتوبر دون المستوى، ونقترح انتاج أعمال فنية عالمية تعبر عن هذه المعجزة بمختلف أبعادها ولكن انتاج بهذا الحجم يتطلب تدخل الدولة لسد ما يحتاجه من ميزانية ضخمة وتوفير الإمكانات والتسهيلات الأزمة، بالإضافة الى الوسائل التعبيرية الأخرى لنقل رسالة مصر- أكتوبر للأجيال وللعالم.
التعليقات