شاهدت بالأمس القريب فيلما تحت مسمى (In time)، أى (فى الوقت المحدد)، ويا لها من قصة شديدة الخصوصية أرعبتنى رسالتها المخيفة وأرهقتنى تفاصيلها المتلاحقة، لكنى صمدت إلى النهاية لمراجعة خط سيرى الإنسانى، أحداث الفيلم تساومك على حياتك، تستقطع أياما وشهورا وسنوات من عمرك الزمنى على الأرض مقابل سد احتياجاتك وكفالة متطلباتك اليومية، المقايضة هنا بالعمر وليس بالمال، والخيار لك، فيما تهب ولمن تحجب، الفيلم يبدأ بقاعدة أساسية هى أن عمر كل بطل من أبطال هذه الدراما الاستثنائية مُسجل على ذراعه اليسرى، والمؤسف هو كيفية استنفاذ الثوانى والدقائق والساعات فى أشياء تافهة لا تساوى قيمة العمر ومدى استمراريته، الأبطال يحصلون على ملذاتهم الوقتية بالسداد عن طريق الوقت المتبقى من حياتهم، فنجد مثلا من يسعى لشراء ألعاب إلكترونية مقابل 5 ساعات من عمره ومَن يريد قضاء ليلة حمراء بالتنازل عن أسبوع من حياته.
ولأن كل فانتازيا لها ساعد واقعى يشابه مرارة الحياة، فهذه الساعة الرقمية الخاصة بالعمر مشبعة بالطبقية، أى أنه يوجد فقراء العمر وأغنياء العمر، بمعنى أن الطبقة العليا لديها عمر زمنى أكثر من 100 عام، بينما الطبقة السفلى تعيش اليوم بيومه وبمجرد أن تستنفذ أوقاتهم يموتون. من أصعب المشاهد على الإطلاق حين يظهر البطل وهو ينتظر أمه على محطة القطار ليمنحها من يده اليسرى عمرا إضافيا، ويدركها قبل أن ترحل بعدما علم أن المتبقى من بطارية عمرها ساعة ونصف فقط وتنتهى إلى الأبد، وعندما استقلت الأم القطار قاصدة ابنها قال لها السائق «سيدتى إيجار التوصيلة يعادل استهلاك ساعتين من عمرك وأنتِ لا تملكين سوى ساعة ونصف».
فنظرت السيدة العجوز حولها نظرة خوف وحيرة ورجاء للمحيطين بها من المسافرين، لكن المخزى أنه لم يكترث أحد منهم ليمنحها عدة دقائق من عمره لتكمل رحلتها الأخيرة، فاضطرت الأم لأن تنزل من القطار وتجرى على قدميها مسرعة لمقابلة ابنها الذى قرر أن يهبها عشر سنوات من رصيد عمره المسجل على ذراعه، ومن بعيد شاهدا بعضهما وقام كل منهما بالجرى تجاه الآخر والدقائق تجرى والثوانى تحترق، وبمجرد أن وصلا تعانقا وماتت الأم لاستنفاذها آخر لحظة من عمرها، لو كانت مُنِحَت دقيقة واحدة كانت فازت بعشر سنوات إضافية.
لكنها الحقيقة المُرة، لا أحد يستطيع أن يمنحك العمر أو يعيد لك ما سُرق، قاسية هى الحياة ومَن عليها، وحينما تسقط فى خانة الوقت الضائع من زمن المباراة لن تجد مَن يعطيك لحظة من عمره تسترجع فيها نفسك وقدراتك. يوما ما ستنتهى بطاريتك وتفقد صلاحيتك ولن ينقذك إلا نفسك وسعيك وحلمك وإيمانك، شخصان فقط سيكونان على أتم الاستعداد لتفريغ بطارية عمرهما من أجل أن تعيش أنت وتحقق أحلامك، الشخصان هما (الأم والأب)، الوحيدان اللذان يعتبرانك الأحق بكل دقيقة من حياتهما، إنها الفطرة الروحانية والمحبة الربانية، ومن الآن فصاعدا إياك أن تضع لحظة من عمرك فى هراء فارغ، العمر مرسوم على ذراعك والأيام والشهور والسنوات تتراجع، فاستثمرها فيما هو أبقى لك ليعود عليك.
التعليقات