الحنين لكل الحاجات الحلوة اللي فاتت بيوجعنا كلنا حقيقي.
زمن فات، أجداد فقدناهم، أحباب واراهم الثرى، أصدقاء فرق الموت بينا وبينهم، أهل وحبايب وزمايل وناس كانت كبيرة أوي في روحنا.
خروجات وتجمعات وعزومات وضحكات ورحلات وزمن كنا فيه أكثر شبابًا بمشاعر جارفة بيوجعنا اختفائها.
أماكن عيشنا فيها وبلاد عدت علينا وأوّض نومنا ولبسنا واحنا صغيرين وصورنا بمراحلها وسنين وحنين.
بس هل هو حنين حقيقي؟ هل هو حنين لشيء صعب استرداده؟
لو هنتكلم عن الأشخاص، الإجابة أيوه ولا. أيوه لأن حبايبنا اللي ماتوا مش معانا ومش شايفينهم ومش قادرين نشاركهم حياتنا وضحكاتنا وأوجاعنا، وبنفتقد قعدتهم وضحكتهم وطيبتهم وسندتهم.
أما لا؛ فالموت مبينسيش حد حبايبه.. حبيبي اللي مات ما زال عايش جوايا، أنا حبسته في قلبي بَكَلمه وآخذ رأيه وأشوف اللي يزعله معملوش وكأنه عايش بالضبط. مفيش قوة في الأرض تقدر تخرجه من قلبي إلا لو أنا مت، ساعتها هقابله تاني!
أما لو اتكلمنا عن الذكريات فده عمر بحاله مش ممكن يرجع تاني.. بس ممكن جدًا يتكرر.
كل ذكرى حلوة كانت لك مع حد بتحبه لازم تحوّلها واقع تعيش بيه تاني مع ناس تانية عايشة معاك دلوقتي.
احنا مش بنفتقد من الذكرى إلا إنها مبتحصلش، طب متشوف الحاجات الحلوة اللي عملتها زمان مع ناس بتحبهم واعملها دلوقت مع ناس تانية بتحبهم برده.
خلي قلبك صاحي ومبتهج وكرر سيناريو السعادة. طول عمرك بيبقى عندك فرص كتير تصنع فيها السعادة وتنتج منها الذكريات، بس أنت مش واخد بالك أو معندكش عزيمة كافية لصنع السعادة.
زمان وأنا صغيرة في إعدادي كنت بحب لما أنزل المنشية آكل من عربية كبدة على الترام لسه موجودة لغاية النهاردة. سندوتش إيه مقولكومش طعم وريحة بطعم الذكريات وحاجة ساقعة ومخلل.. وجبة كده تخليك شبعان أسبوع. دلوقت لما تصادفني عربية فول بركن عربيتي في الممنوع وأقف آكل وانبسط.. المتعة في أكتر من الأكل؛ هي في الذكرى الحلوة. عربيات الأكل دي بتفرحني أوي، لدرجة فكرت مرة أشتري واحدة واعزم عليها حبايبي.
اعملوا مونتاج لشريط حياتكم وسجلوا الذكريات الحلوة وعيدوها على ذاكرتهم واخرجوا منها نسخة جديدة تصلح لوقتك وزمانك اللي أنت عايشه دلوقت.
جدد مصنع الذكريات.
إحنا ساعات نتجرع الأسى على نفسنا أكتر من افتقادنا للأشياء، هنا لازم تشوف نفسك صح، ولو محتاج تخلد ذكرياتك عيدها تاني. عيدها مع ناس بتحبهم وأثروا في حياتك، سندوك وحبوك بأمانة، الناس دول يستحقوا البهجة في إعادة إخراج الذكرى.
خليك مخرج طموح وانتج من حياتك فيلم معظم مشاهده تستحق الخلود.
مش كفاية حالة النوستالجيا اللي بتجيلنا ليل ونهار دي؟
ليه بنستمتع بحنين ماضي دون صنع غد مماثل؟
كل يوم بيعدي من عمرنا هو ماضي، لو خلينا كل يوم بيعدي يزوّد عمرنا دفا وأمان مش هيبقى الحنين موجع، هنقدر نحوّل الحنين لطاقة إيجابية لأنك هتعيش كل أفراحك اللي فاتت أفراح جديدة. ده غير حسنات بتبعتها لحبايبك اللي علموك إزاي تفرح.
ليه فيه ناس بتعيد يوم زفافها بعد عشرات السنين من زواجهم؟ ببساطة استخسروا الفرحة اللي كانت جواهم تموت وتتنسي، فأحيوا الذكرى الحلوة وجددوها في قلوبهم.
كل ما تزود أيامك الحلوة وتعيد إنتاجها بنسخ جديدة حياتك حتتحسن وشبابك هيبقى، هتتحول لشخص إيجابي مهما كانت مشاكلك.
أفتكر بعد فرحي بسنة فندق المحروسة كان بيعمل فرح كبير لكل الناس اللي اتجوزوا السنة اللي قبلها. ماقولكوش اليوم ده كان روعة إزاي.. لسه فكراه أكتر من يوم فرحي.. كنت حامل في ابني ومبعجرة بس عرفت ألاقي فستان حمل أبيض وسعدت وانبسطت ورقصنا عريس وعروسة وبيني وبين جوزي مترين كده.
مفيش حاجة ممكن تنكد عليك لو قررت تبقى سعيد.
لو دنيتك دلوقت أصعب منها زمان متزودش هم على قلبك، افتح لنفسك أبواب جديدة وشم ريحة حلوة للدنيا.
ربنا عاطينا كتير مهما كانت ابتلاءاتنا شديدة.. الأكيد إن نعمنا أكتر وأقوى وأشد تأثيرًا لو بس عرفنا نشوفها.
بدل ما تدور على ذكرياتك وتخليها توجعك، خلي حلاوتها حافز لك عشان متنساهاش وجدد الذكرى، تبقى وتخلد وتهون على قلبك صعوبة ومرارة الأيام.
قرارك أن تبقى وتسعد وتستعد للحلو اللي جاي دايمًا في إيدك، تسلح بالتفاؤل فدنيتنا تعج الآن بالمتشائمين.
يلا فرَّح قلبك.
التعليقات