الفنانة المعتزلة شمس البارودي تقول اسمي الحقيقى بالكامل شمس الملوك جميل البارودي، وأحب الألقاب الحاجة أم محمود أو أم ناريمان أو أم عمر أو أم عبدالله أو حرم الحاج حسن يوسف، وماشاء الله الألقاب المحبوبة لدي كثيرة وكلها أنادي بها.
قبل وبعد الاعتزال أثرت في أمي؛ فقد كانت صورة مجسدة لأم المؤمنين السيدة خديجة رضى الله عنها فى حنانها وعطائها وجمال؛ وحب أمنا عائشة بايثارها وفطرتها وفطنتها؛ أمى رحمها الله (لطيفة محمد مختار) كانت لنا جميعا.
لقد بدأت رحلتى مع الالتزام مع كتاب الله فى أول (عمرة) فى حياتى؛ وكنت متزوجة ولدى من الأبناء ناريمان ومحمود وقد أصطحب أبى زوجى قبلى بعام لأداء العمرة؛ وكان أبى – رحمه الله – دائم الذهاب لبيت الله الحرام لأداء الحج والعمرة؛ وقد كان خير رفيق لزوجى ولى بعده بعام لينعم ربى علينا بجلاء البصيرة وصدق اليقين وحقيقة الوجود حيث قال رب العزة (وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون).
وبعد ختم القرآن الكريم فى أيام العمرة ومنذ منتصف الثمانيات؛ ألقى أبى فى روعى حقيقة التوحيد وتراءى لى الكون كما لم أره من قبل واستشعرت بمدى ضآلة هذا المخلوق الإنسانى.
ومدى ضعفه وقله حيلته أمام عظمة الله وقدرته ووقفت فى جوف الليل؛ فى الثلث الأخير من الليل؛ فى بيت الله الحرام؛ رافعة كلتا يدى أتضرع لخالقى ومولاى أن ينظر لى بعين عطفه ورحمته وأن يقوى إيمانى.
وظللت أردد هذا الدعاء ولا أدعو بسواه .(اللهم قوي إيماني اللهم قوي إيماني وإيمان أولادى وزوجى وأبى وأمى واخوتى وكل من أحببتهم)، ودموعى تنهمر فى صمت وأنا أطوف حول الكعبة ألح فى الدعاء لرب الأرض والسماء؛ ليس لى مطمع فى هذه الفانية؛ التى نرحل عنها يوما لا محالة ونرقد وحدنا فى القبر وحشة وظلمة وسؤالا وحسابا .
مطلبى يا ربى قوة الإيمان؛ التى تؤنس وتنير لى قبرى قوة الإيمان؛ التى تخفف عنى السؤال وترفع عنى الحساب؛ وتفتح لى بابا أرى فيه مقعدى من الجنة قوة الإيمان التى هى النجاة؛ من زيف هذه الحياة التى يغتر بها الكثيرون ظنا منهم أنهم مخلدون.
ولقد قال سبحانه لسيد الخلق صلى الله عليه وسلم (إنك ميت وإنهم ميتون)، فالأحرى بنا أن نتبع منهج الخالق فى كتابه القرآن الكريم؛ وسنة سيدنا محمد سيد الخلق أجمعين صلى الله عليه وسلم لكى نسعد فى الدارين الدار الدنيا والدار الآخرة.
وكانت هذه الليلة المباركة؛ لى وعلى الحد الفاصل بين حياتين: حياة جهلى بحقيقة دينى؛ وحياة علمى وفهمى لمراد رب العالمين؛ من خلقه أجمعين.
فوقفت أقرأ (فاتحة الكتاب) فرأيت العجب العجاب رأيت معانى فاتحة الكتاب كاملة؛ كما تحدث عنها (ابن قيم الجوزية) فى (مدارك السالكين) فى (إياك نعبد وإياك نستعين).
وكانت المنة والفضل والنفحة الربانية؛ فى الفهم والإدراك والعلم واليقين والصدق مع الخالق ومع النفس؛ وكانت البداية وكان التحول بإرادة وعزيمة وتصميم على النجاة والفوز برضى الله؛ ورضوان الله وحب الله.
وكان القرار فى هذه الليلة المباركة؛ على يقين بعد هذا الدعاء والبكاء وقراءة الفاتحة؛ فى ركعتين فى صحن الكعبة؛ وراء مقام سيدنا إبراهيم وكل كيانى يرجف وأوصالى ترتعش ودموعى تنهمر وصدرى يشهق من شدة البكاء؛ من عظمة وقوة فاتحة الكتاب وخاصة (بسم الله الرحمن الرحيم).
يا لجرأتى اننى أنطق (بسم الله)؛ وأنا استشعر عظمتها وقوتها وجبروتها وعلوها وهى تحصن الكون؛ وأرى ضآلة الإنسان ؛فى هذا الكون الفسيح؛ ويشتد بكائى حتى أنهى الركعتين وأسلم وأخرج من هاتين الركعتين إنسانة أخرى؛ زاهدة متذللة راكعة ساجدة أرجو رحمته وأخشى عذابه.
وأقضى وقتى الأن ما بين عباداتي؛ ومسئوليتى كزوجة وأم مواطنة ؛لها رؤية تبلورت في سنوات التزامي.
والحمد لله عشت طفولة سعيدة وجميلة .وكان أبي وأمي متصالحين مع الله؛ فأنعم الله عليهما بهداية أبنائهما السبعة وبفضل الله نحن أسرة كبيرة؛ وصلتنا في مراحل عمرنا؛ قوت أواصر حبنا لبعضنا البعض وأعانتنا على الوصول لحقيقة الحياة.
وأجمل هذه المراحل طاعتنا وحبنا ببذل وخفض جناح الذل؛ والرحمة لأبي وأمي؛ فقد كنا حتى بعد زواجنا وذهابنا لبيوتنا لا نلتقي بهما إلا وقبلنا أيديهما؛ ووضعناها على جبهتنا.
وهكذا نشأنا وهكذا علمنا أبناءنا فعطاء الآباء؛ لم يذهب سدى لكن قوبل ببر وحب واحترام؛ وخفض جناح حتى جيراننا كانوا يحسدون أبي وأمي علينا.
التعليقات